(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ)
قَدَّمْنَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا وَأَنَّهَا تَتَخَصَّصُ وَتَتَعَمَّمُ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُهَا وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَعِنْدَنَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ وَتَمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ وَنَظِيرُهُ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا لِمَا فِي الْأَسَاسِ تَقَاضَيْتُهُ دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاقْتَضَيْتُهُ دَيْنِي وَاسْتَقْضَيْتُهُ وَاقْتَضَيْتُ مِنْهُ حَقِّي أَيْ أَخَذْتُهُ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى التَّوْكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَعْتَمِدُ الْعُرْفَ إنْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ كَانَ الْعُرْفُ بَيْنَ التُّجَّارِ أَنَّ الْمُتَقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الدَّيْنَ كَانَ التَّوْكِيلُ بِالتَّقَاضِي تَوْكِيلًا بِالْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ عَنْ الْفَضْلِ اهـ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ لِأَنَّ الرَّسُولَ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ فِي الْقَبْضِ وَلَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا كَذَا فِي الصُّغْرَى أَيْضًا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يُصَالِحُ وَإِلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْمُلَازَمَةِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْقَبْضَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهُنَا عَشْرُ مَسَائِلَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ وَسَيَأْتِي بِالْخُصُومَةِ أَوْ التَّقَاضِي أَوْ بِالْمُلَازَمَةِ وَقَدَّمْنَاهَا وَبِالْقِسْمَةِ وَبِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَبِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْقَبْضَ وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يُخَاصِمُ وَيَحْلِفُ وَالْوَكِيلُ بِحِفْظِ الْعَيْنِ لَا يُخَاصِمُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى النَّاسِ أَوْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ بِخُوَارِزْمَ يَدْخُلُ الْقَائِمُ لَا الْحَادِثُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ يَدْخُلُ الْقَائِمُ وَالْحَادِثُ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَفِي الْمُنْتَقَى وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ يَدْخُلُ الْحَادِثُ أَيْضًا كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ غَلَّتِهِ يَقْبِضُ الْغَلَّةَ الْحَادِثَةَ أَيْضًا اهـ.
وَقَدْ فَاتَهُ الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَا يُخَاصِمُ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالدَّمِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ بِالْكُوفَةِ وَبِقَبْضِهِ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ وَلَمْ يُحْضِرُ الْوَكِيلُ أَحَدًا قِبَلَهُ لِلْمُوَكِّلِ حَقٌّ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ حَتَّى يُحْضِرَ خَصْمًا جَاحِدًا لِذَلِكَ أَوْ مُقِرًّا بِهِ فَحِينَئِذٍ يَسْمَعُ وَيَنْفُذُ لَهُ الْوَكَالَةُ فَإِنْ أَحْضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِيمًا آخَرَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ ادَّعَى الْوَكَالَةَ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ بِعَيْنِهِ وَإِذَا ثَبَتَ بِحُضُورِهِ فَجَاءَ بِخَصْمٍ آخَرَ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ مَرَّةً أُخْرَى ادَّعَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَلِمُوَكِّلِهِ عَلَى هَذَا كَذَا وَأَقَامَ بِبَيِّنَةٍ شَهِدُوا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْحَقُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً تُقْبَلُ عَلَى الْوَكَالَةِ لَا غَيْرُ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَقِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ هُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ يَقْضِي بِالْوَكَالَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْمَالِ كَذَا لَوْ ادَّعَى بِهِ وَصِيُّ الْمَيِّتِ اهـ.
وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَيْضًا وَلَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ إلَى الْقَاضِي وَوَكَّلَ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ مَعَهُ خَصْمٌ جَازَ وَكَانَ وَكِيلًا إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْقَاضِي الْمُوَكِّلَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَقْتَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ غَائِبٌ وَالْغَائِبُ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ اسْمَ الْمُوَكِّلِ وَنَسَبَهُ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالْوَكَالَةِ وَإِلَّا لَوْ قَضَى بِهَا قَضَى لِمَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ فَإِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنِّي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ سَمَاعِهَا عَلَى النَّسَبِ الْخُصُومَةُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بَيِّنَةٌ عَلَى وَكَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَوْ قَضَى بِهَا صَحَّ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي الْمُخْتَلَفِ اهـ.
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يُثْبِتَ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ جَاءَ الْمُوَكِّلُ وَأَنْكَرَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ فَلَهُ وُجُودُ أَحَدِهَا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَكِيلُ الْعَيْنَ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ يَدَّعِيَ أَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ مَالِكِهِ بِالْقَبْضِ وَالْبَيْعِ فَسَلِّمْهُ لِي فَيَقُولَ ذُو الْيَدِ لَا عِلْمَ لِي بِالْوَكَالَةِ فَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلُهُ بِالْقَبْضِ وَالْبَيْعِ فَيَسْمَعَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَيَأْمُرَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَيَبِيعَهُ.
ــ
[منحة الخالق]
أَوْ كُسْوَةٍ وَمَا مَلَكَهُ الْيَتِيمُ مِنْ مَالٍ غَيْرِ تَرِكَةِ أُمِّهِ فَلَيْسَ لِوَصِيِّ أُمِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ أَضْعَفَ الْوَصِيَّيْنِ فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ كَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ فِي أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ وَأَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَأَقْوَى الْحَالَيْنِ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ وَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَأَضْعَفُ الْحَالَيْنِ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ وَصِيُّ الْأُمِّ فِي حَالِ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ فِي حَالِ كِبَرِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَنْقُولِهِ لَا عَقَارِهِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ اهـ.
[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]
(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إلَخْ) نَقَلَ فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَالْآنَ يُحَكَّمُ عُرْفُ التُّجَّارِ وَبِهِ يُفْتَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute