وَثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ: هَذَا مِلْكُ فُلَانٍ أَبِيعُهُ مِنْكَ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْهُ يَأْمُرُهُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي لَا أَقْبِضُ مِنْك لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَجِيءَ الْمَالِكُ وَيُنْكِرَ الْوَكَالَةَ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ هَالِكًا فِي يَدِي أَوْ يَحْصُلُ مِنْهُ نُقْصَانٌ فَيُضَمِّنَنِي فَيُقِيمَ الْوَكِيلُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَيُجْبِرُهُ عَلَى الْقَبْضِ وَيَثْبُتُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَى الْقَبْضِ وَثَالِثُهَا رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِكَ مِلْكُ فُلَانٍ وَأَنْتَ وَكِيلُهُ بِالْبَيْعِ وَقَدْ بِعْتَ مِنِّي فَقَالَ: بِعْتُ مِنْكَ وَلَكِنْ لَسْت بِوَكِيلٍ مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يُوَكِّلْنِي بِالْبَيْعِ فَأَقَامَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ بِالْبَيْعِ فَهُوَ خَصْمٌ حَتَّى تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَيَثْبُتَ كَوْنُهُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ وَبِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَلِي الْخُصُومَةَ مَعَ الْمَدْيُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ أَبِرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي فِي الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِالْقَبْضِ رِضًا بِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمْلِيكِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ قَبْضُ الدَّيْنِ نَفْسُهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ اسْتِيفَاءً لِغَيْرِ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِبَرَاءَتِهِ وَتُقْبَلُ لِقِصَرِ يَدِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ بَلْ يُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى حُضُورِ الْغَائِبِ اهـ.
وَفِي النِّهَايَةِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الشَّرِيكِ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْقِسْمَةِ أَوْ مُوَكِّلُهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَكَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الرُّجُوعِ إنَّ مُوَكِّلَهُ أَخَذَ عِوَضَهَا وَكَذَا الْبَائِعُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ مُوَكِّلُهُ رَضِيَ بِهِ اهـ.
لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ وَجَبَ أَنْ تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ عَيْنِ الْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ مِنْ الدُّيُونِ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُبَادَلَةِ جَعَلْنَاهُ خَصْمًا وَلِشَبَهِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ عَمَلًا بِهِمَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ أَوْرَدَ أَيْضًا لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ كَمَا لَا يُوَكَّلُ فِي تَمْلِيكِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ حُكْمًا وَالْمُسْلِمُ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهَا حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ يَصِحُّ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ الْمُسْلِمِ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ قَبْضُهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ فِيهِ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ أَوْ مِلْكُ الْغَيْرِ فَقَالَا بِالْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَيْنُ صَاحِبِ الدَّيْنِ حُكْمًا حَتَّى كَانَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ غَصْبٌ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ مِلْكَ رَبِّ الدَّيْنِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ بَدَلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمَدْيُونِ التَّصَرُّفَ فِيمَا فِي يَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الدَّائِنُ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا عَلَى الْهِدَايَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمَدْيُونِ إذَا ادَّعَى اسْتِيفَاءَ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَاءَهُ وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَهُ خَصْمًا لَهُ فِي دَعْوَى الْإِيفَاءِ لِرَبِّ الدَّيْنِ دُونَ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي الْإِثْبَاتِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِقَبْضِهِ وَالْإِيفَاءُ إلَى الطَّالِبِ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جَعْلِهِ خَصْمًا فِيهِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ بَلْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ خَصْمًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ مَسْأَلَةَ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَلَى الْوِفَاقِ وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي دَعْوَى الْإِيفَاءِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ وَكَالَةِ الْأَصْلِ اهـ.
وَالْحَوَالَةُ
ــ
[منحة الخالق]
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْجَابِيَ يَمْلِكُ الْمُخَاصَمَةَ مَعَ مُسْتَأْجِرِي الْوَقْفِ إذَا ادَّعَوْا اسْتِيفَاءَ النَّاظِرِ لِأَنَّ النَّاظِرَ إذَا أَقَامَ جَابِيًا صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ لِمَا عَلَيْهِمْ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَانْظُرْ لِمَا كَتَبْنَاهُ فِي أَحْكَامِ الْوُكَلَاءِ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَأَرَادَ مُقَاصَّتَهُ بِهِ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا عَنْهُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَلَى وَكِيلِ الْبَائِعِ فِي قَبْضِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْأَتِيّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى أَيْضًا تَأَمَّلْهُ تَفْهَمْهُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِي الدَّيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي غَيْرِهِ كَادِّعَاءِ الْمَدْيُونِ الدَّيْنَ وَكَادِّعَائِهِ الْعَيْبَ فِي وَاقِعَتَيْ الْحَالِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا) قَالَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَبَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ إلَى مُوَكِّلِهِ يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَيُوقَفُ عِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُمَا أَقْوَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَذَا فِي (عده) وَغَيْرِهِ اهـ. مُلَخَّصًا.
وَمِثْلُهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ لَكِنْ فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ وَالِاخْتِيَارَاتِ وَالنَّسَفِيِّ وَالْمَوْصِلِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِيفَاءَ الْعَيْنِ حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَضَاءُ دُيُونٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهَا كَبَدَلِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute