للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَاعَةٌ فَلَزِمَ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُوَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ الصَّوْمَ مِنْ شَرْطِهِ حَتَّى لَوْ اعْتَكَفَهُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ لِمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قُلْت لَا يُمْكِنُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمَنْذُورِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنْ شَرْطِهِ وَاللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ، وَلَوْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ نَوَى لَيْلَةً بِيَوْمِهَا لَزِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا التَّفْصِيلَ

وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلًا وَنَهَارًا لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّيْلُ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبَعِ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَصْلِ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ قَدْ أَكَلَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ تَفَارِيعِ النَّذْرِ وَمِنْ تَفْرِيعَاتِهِ هُنَا أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ النَّهَارِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا بِغَيْرِ صَوْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَوْنِ الصَّوْمِ شَرْطًا أَنَّهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ لَا إيجَادُهُ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ قَصْدًا فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ وَأَجْزَأَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْ قَضَى شَهْرًا بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِعَوْدِ شَرْطِهِ إلَى الْكَمَالِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِكَافُهُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَيَجُوزُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ) لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ فَكَانَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاسْتَنْبَطَ الْمَشَايِخُ مِنْهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ حَتَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ قَاعِدًا، أَوْ رَاكِبًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَنَظَرَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْعَقْلِ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ اعْتِكَافِ سَاعَةٍ مَعَ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَصُمْ سَوَاءٌ كَانَ يُرِيدُ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، أَوْ دُونَهُ وَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ شَرْطٍ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْ مَشْرُوطِهِ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَهُوَ بِلَا دَلِيلٍ فَهَذَا الِاسْتِنْبَاطُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِلَا مُوجِبٍ فَالِاعْتِكَافُ لَا يُقَدَّرُ شَرْعًا بِكَمِّيَّةٍ لَا تَصِحُّ دُونَهَا كَالصَّوْمِ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ لَا يُفْتَقَرُ فِي كَوْنِهِ عِبَادَةً إلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ وَلَمْ يَسْتَلْزِمْ تَقْدِيرُ شَرْطِهِ تَقْدِيرَهُ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ادَّعَاهُ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ مُسَلَّمٌ وَبِهَذَا لَا يَنْدَفِعُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ الثِّقَاتُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي لِلْمُصَنِّفِ وَالْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمْ وَالْكُلُّ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمَنْذُورِ) قُلْت تَصْرِيحُهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّفْلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ أَمَّا الْمَسْنُونُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَإِمْكَانُ تَصَوُّرِ عَدَمِ الصَّوْمِ فِيهِ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ نَادِرٌ جِدًّا وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّهُ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ قَسَّمَ الِاعْتِكَافَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْوَاجِبَ لَا الثَّالِثَ يَعْنِي الْمُسْتَحَبَّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلثَّانِي وَهُوَ الْمَسْنُونُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُونِ صَوْمٍ عَادَةً وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بَيَانُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ النَّفْلِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ أَمْ لَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُسْتَلْزِمٌ لِإِيجَابِ الصَّوْمِ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مُقَدَّرٌ فَيَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَمْ يَصِحَّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَيْلَتَانِ بِنَذْرِ يَوْمَيْنِ فَرَاجِعْهُ تَأَمَّلْ.

[أَقَلُّ الِاعْتِكَافُ]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ادَّعَاهُ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ مُسَلَّمٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ الْعَقْلِيَّ مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا نَعْلَمُ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ الْآتِيَةَ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الثِّقَاتِ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ صَرِيحًا آخَرَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ اهـ.

وَالْعَطَنُ مَرْبِضُ الْغَنَمِ حَوْلَ الْمَاءِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ نَظَرُ الظَّاهِرِ الْمَبْسُوطِ الْجَازِمِ بِالِاسْتِنْبَاطِ الَّذِي لَا يَقْوَى كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَحْدَهُ عَلَى دَفْعِهِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.

أَقُولُ: مَنْعُ الْمُحَقِّقِ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِنْبَاطِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ مُسْتَنِدِ إثْبَاتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ هُوَ قَوْلٌ فِي الْأَصْلِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ مِنْ التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ وَارِدٌ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ حَمْلَ كَلَامِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرِدَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ وَلَا مَنْعَ أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى يَرِدَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بَلْ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِمَنْعِ أَنَّ الْمَنْقُولَ ذَلِكَ وَدَعْوَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدُهُمْ صَرِيحًا آخَرَ خَارِجٌ عَمَّا الْبَحْثُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>