للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِهِ لَا لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لَهُ؛ وَلِذَا خَطَبَ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَهُ لَخَطَبَ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) أَيْ يَدْعُو الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ الدَّاعِيَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَعَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ شَاءَ دَعَا قَائِمًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَوْ قَامَ وَدَعَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ كَانَ أَيْضًا حَسَنًا وَأَفَادَ بِكَلِمَةِ ثُمَّ أَنَّ السُّنَّةَ تَأْخِيرُ الدُّعَاءِ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَصْعَدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلدُّعَاءِ، وَلَا يَخْرُجُ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا صَلَّوْهَا فُرَادَى) أَيْ إنْ لَمْ يَحْضُرْ إمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ إذْ هِيَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِكُلِّ إمَامِ مَسْجِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ بِالْجَمَاعَةِ عُرِفَ بِإِقَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا يُقِيمُهَا الْآنَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى إنْ شَاءُوا رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ ثُمَّ إنْ شَاءُوا طَوَّلُوا الْقِرَاءَةَ، وَإِنْ شَاءُوا قَصَّرُوا، وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَالْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) أَيْ حَيْثُ يُصَلِّي النَّاسُ فُرَادَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ خُسِفَ الْقَمَرُ فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِرَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ لَهُ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ فِيهِ مُتَعَسِّرٌ كَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُخَوِّفُ عِبَادَهُ لِيَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ وَيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا فَوْزُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ إلَى رَبِّهِ الصَّلَاةُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)

هُوَ طَلَبُ السُّقْيَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أَجْهَدَ قَوْمَهُ الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: ١١] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَصَحَّ فِي الْآثَارِ الْكَثِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى مِرَارًا» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَالْأُمَّةُ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (قَوْلُهُ لَهُ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيَانٌ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ لَهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَقَالَا يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ قُلْنَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) أَيْ لِلِاسْتِسْقَاءِ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِمَا تَلَوْنَا (قَوْلُهُ لَا قَلْبُ رِدَاءٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَلْبُ رِدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَقَالَا يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ

ــ

[منحة الخالق]

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْخُسُوفِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَطْلَقَ الشَّيْخُ الْحُكْمَ فِيهِمَا، وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ وَصَلَاةَ الْخُسُوفِ حَسَنَةٌ وَكَذَا الْبَقِيَّةُ (قَوْلُهُ وَعُمُومُ الْأَمْرَاضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فُرَادَى وَيَدْعُونَ فِي عُمُومِ الْأَمْرَاضِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلطَّاعُونِ؛ لِأَنَّ الْوَبَاءَ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ عَامٍّ فَكُلُّ طَاعُونٍ فِي ذَلِكَ وَبَاءٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَأَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْجَبَلِ مَشْرُوعٌ، وَلَيْسَ دُعَاءً بِرَفْعِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ بِدْعَةٌ يَعْنِي حَسَنَةً، فَإِذَا اجْتَمَعُوا صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا رَفْعَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ حَوَادِثِ الْفَتْوَى. اهـ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَسَطَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ

[بَابُ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ]

(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)

(قَوْلُهُ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فَلِقَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْكَافِي لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّمَا فِيهَا دُعَاءٌ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَرَجَ وَدَعَا وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَدَعَا وَاسْتَسْقَى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ صَلَاةٌ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ شَاذٌّ. اهـ.

وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ

[دُعَاء وَاسْتِغْفَار الِاسْتِسْقَاء]

(قَوْلُهُ وَقَالَا يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ كَانَ تَفَاؤُلًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَتَفَاءَلُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ تَأَسِّيًا بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ الْحَالَ يَنْقَلِبُ مَتَى قَلَبَ الرِّدَاءَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ بِالتَّأَسِّي ظَاهِرًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ الْأَصْلُ فِي أَفْعَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَوْنُهَا شَرْعًا عَامًّا حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>