للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ لِيَقْلِبَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَالَ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ وَمِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ وَقِيلَ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَ وَفِي الْمُدَوَّرِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ وَالْيَسَارُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي مُتَتَابِعَاتٍ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَوَاضَعُونَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ، وَإِنْ امْتَنَعَ وَقَالَ اُخْرُجُوا جَازَ، وَإِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ، وَلَا يُخْرَجُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْبَرٌ بَلْ يَقُومُ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ، فَإِنْ أَخْرَجُوا الْمِنْبَرَ جَازَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ أَخْرَجَ الْمِنْبَرَ لِاسْتِسْقَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقُيِّدَ بِالْخُرُوجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا (قَوْلُهُ، وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) لِنَهْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الدُّعَاءُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: ١٤] ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِينَ، وَلَمْ يُرَجَّحْ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ اهـ.

وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخُرُوجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَعَلَّهُ لِضِيقِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(بَابُ الْخَوْفِ) أَيْ صَلَاتُهُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعَارِضِ خَوْفٍ وَقَدَّمَ الِاسْتِسْقَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ هُنَاكَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ، وَهُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ إنْ اشْتَدَّ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَقَفَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيْنِ لَوْ مُقِيمًا وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ فَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ وَذَهَبُوا إلَيْهِمْ وَجَاءَتْ الْأُولَى وَأَتَمُّوا بِلَا قِرَاءَةٍ وَسَلَّمُوا ثُمَّ الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ) هَكَذَا صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ أُخْرَى مَعْلُومَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الَأَوْلَى، وَفِي الْعِنَايَةِ لَيْسَ الِاشْتِدَادُ شَرْطًا عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ سَبَبُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ نَفْسُ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْخَوْفِ وَالِاشْتِدَادِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ عِنْدَ الْبَعْضِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ الرُّخْصَةِ بِنَفْسِ السَّفَرِ لَا حَقِيقَةُ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ فَأُقِيمَ مَقَامَهَا فَكَذَا حَضْرَةُ الْعَدُوِّ وَهُنَا سَبَبُ الْخَوْفِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ حَقِيقَةُ الْخَوْفِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ تَمَامَهَا اهـ.

وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْهُمْ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ رَاكِبًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَ انْصِرَافُهُ مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْعَدُوِّ أَوْ عَكْسُهُ، وَإِنَّمَا تُتِمُّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ؛ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَالثَّانِيَةُ بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ؛ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَأَطْلَقَ فِي الصَّلَاةِ فَشَمَلَ كُلَّ صَلَاةٍ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ

ــ

[منحة الخالق]

يَثْبُتَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ فَأَصْلَحَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ قَلَبَهُ أَبْعَدُ مِنْ الْبَعِيدِ، وَمِنْ هُنَا جَزَمَ الْقُدُورِيُّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا الْقَوْمُ فَلَا يُقَلِّبُونَ أَرْدِيَتَهُمْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ فِي يُقَلِّبُونَ كَمَا فِي السِّرَاجِ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمَالِكٍ

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) كَانَ بِنُسْخَةِ الْمَتْنِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُؤَلِّفِ هَكَذَا أَوْ تَابَعَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِلَّا فَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ مُجَرَّدًا، وَعَلَيْهِ شَرْحٌ فِي النَّهْرِ لَا قَلْبُ رِدَاءٍ وَحُضُورُ ذِمِّيٍّ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ يَجُوزُ عَقْلًا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ. اهـ.

وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمِمَّا يُبْعِدُهُ نِسْبَةُ الْجَوَازِ إلَى الْقَوْلِ لَا إلَى الِاسْتِجَابَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الْقَوْلِ بِهَا عَقْلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَوَازُ شَرْعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَرَأْيُ مَالِكٍ حُضُورُهُ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الشِّدَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: ٦٥] الْآيَةَ. اهـ.

قُلْت وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: ١٤] {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: ١٥] وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>