وَلَكِنْ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابُ عِتْقٍ وَوَصِيَّةٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِلْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فِي الْأُصُولِ وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى شَيْئَيْنِ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَهُ أَوْجَبَ تَقْدِيرَ لَفْظٍ إذَا كَانَ وَصِيَّةً وَهُوَ مَا قَدَّرْنَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مَنْقُولُهُ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِهِ مَا اسْتَحْدَثَ مِلْكُهُ وَالْمُوجِبُ لِلتَّقْدِيرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ لِلْأَصْحَابِ، وَهَذَا الْمُوجِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ تَقْدِيرِهِ عِنْدَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِلَّا كَانَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عِبَارَتُهُ عِنْدَ مِلْكِهِ لَا الصَّرِيحَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْحَالَ وَلَا الْمُقَدَّرَةَ لِتَأْخِيرِ تَقْدِيرِهَا إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا كَانَ رَافِعًا لِلْإِشْكَالِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِتْقَ مَا مَلَكَهُ بَعْدَهُ بِمَوْتِهِ لَيْسَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لِيَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ تَحْقِيقُ مَقْصُودِهِ مِنْ الثَّوَابِ فَلَا جَمْعَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، بَلْ بِلَفْظَيْنِ مَذْكُورٍ وَمُقَدَّرٍ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ ثُلُثِهِ أَنَّهُمَا إنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ جَمِيعُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يَضْرِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنَّهُمَا لَيَسْعَيَانِ لَهُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِمَا كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]
أَخَّرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَالْجُعْلُ فِي اللُّغَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُعْطَى الْمُجَاهِدُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى جِهَادِهِ، وَأَجْعَلْتُ لَهُ أَعْطَيْته لَهُ وَالْجَعَائِلُ جَمْعُ جَعِيلَةٍ، أَوْ جَعَالَةٍ بِالْحَرَكَاتِ بِمَعْنَى الْجُعْلِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ (قَوْلُهُ: حَرَّرَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ عَتَقَ) أَيْ قَبِلَ الْعَبْدُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئَنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا إلَيَّ، أَوْ قَالَ: بِعْتُك نَفْسَك مِنْك عَلَى كَذَا، أَوْ وَهَبْتُ لَك نَفْسَك عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ؛ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا، وَمَا شُرِطَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ عَلَى مَا عُرِفَ وَكَمَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ جَازَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَا شَاءَ يَدًا بِيَدٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ كَالْأَثْمَانِ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْقَبُولَ بِالْمَجْلِسِ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ قَبُولٍ مِنْ الْمَجْلِسِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ الْإِيجَابِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يُعْتَبَرُ مَجْلِسُ عِلْمِهِ فَإِنْ قَبِلَ فِيهِ صَحَّ.
وَإِنْ رَدَّ أَوْ أَعْرَضَ بَطَلَ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقِيَامِ أَوْ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا قَبْلَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْعِتْقَ بِالْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَلَّقٌ عَلَى الْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ " قَبِلَ " أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْكُلِّ فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت فِي النِّصْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَلَوْ جَازَ قَبُولُهُ فِي النِّصْفِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْبَدَلِ وَصَارَ الْكُلُّ خَارِجًا عَنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْبَاقِي إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ، وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِزَوَالِ يَدِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِأَلْفٍ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَيَعْتِقُ كُلُّهُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا
ــ
[منحة الخالق]
(بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute