للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَمْلُوكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ هُوَ حُرٌّ يَدًا وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ لَفْظِ الْعَبْدِ أَيْضًا وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُشْتَرَكَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا عَبِيدَ عَبْدِهِ التَّاجِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَتَقُوا نَوَاهُمْ أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَإِنْ نَوَاهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُشْتَرَكَ إلَّا إذَا مَلَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فَيَقُولُهُ إنْ مَلَكْت مَمْلُوكًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ كَامِلٌ فَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَمْ يَعْتِقْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِهِ مَمْلُوكٌ كَامِلٌ بِخِلَافِ إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ نِصْفَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ، ثُمَّ مَلَكَ النِّصْفَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ النِّصْفُ الَّذِي فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ تَعْيِينِ الْمَمْلُوكِ يُرَادُ بِهِ الْمِلْكُ فِيهِ مُطْلَقًا لَا مُجْتَمِعًا اهـ.

(قَوْلُهُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ أَوْ بَعْدَ مَوْتَى يَتَنَاوَلُ مَنْ مَلَكَهُ مُنْذُ حَلَفَ فَقَطْ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ، وَكَذَا كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَمَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ يَصِيرُ حُرًّا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَ غَدٍ وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتَى يَصِيرُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي التَّقَيُّدِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتَى قَيَّدَ بِكَوْنِ الظَّرْفِ ظَرْفًا لِلْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ ظَرْفًا لِلْمِلْكِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّ مَنْ مَلَكَهُ فِي غَدٍ وَمَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعْتِقُ إلَّا مَنْ اسْتَفَادَ مِلْكَهُ فِي غَدٍ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ جَاءَ غَدٌ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَرَأْسُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَمِنْ الْغَدِ إلَى اللَّيْلِ لِلْعُرْفِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ حُرٌّ قَالَ لَيْسَ هَذَا عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَأَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَجِيءَ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَا غَيْرُ فَيَعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ، وَلَكِنْ عِنْدَ مَجِيءِ الْغَدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَبِمَوْتِهِ عَتَقَ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ مِنْ ثُلُثِهِ أَيْضًا) أَيْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَمَا يَعْتِقُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ وَمَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهَا، فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ فَيَعْتِقَانِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ، وَلِهَذَا صَارَ هُوَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمْلِيكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ.

وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى وَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ يَعْتِقُ اهـ.

فَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ بِالْوَاوِ وَالْبَاءِ آخِرَهُ مِنْ الْهِبَةِ لَا الْمَرْهُونُ مِنْ الرَّهْنِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا هُنَا، وَقَوْلُهُ وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ يَعْتِقُ مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا أَيْضًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْمُجْتَبَى الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مُحَرَّفَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>