لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ يُحَارِبُهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَعُذْرُ الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَيُتْرَكُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُهُ سَبْعُ سِنِينَ) أَيْ وَقْتُ الْخِتَانِ سَبْعُ سِنِينَ وَقِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ لِلطَّهَارَةِ وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَانَ إيلَامًا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَا عَشَرَ سَنَةً وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ يُخْتَنُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَى الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إلَّا لِمَصَالِحَ تَعُودُ إلَيْهِ وَفِي الْخِتَانِ إقَامَةُ السُّنَّةِ وَتَعُودُ إلَيْهِ أَيْضًا مَصْلَحَتُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الْخِتَانُ سُنَّةٌ يُحَارَبُ عَلَى تَرْكِهَا» وَكَذَا يَجُوزُ كَيُّ الصَّغِيرِ وَرَبْطُ قُرْحَتِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ وَكَذَا يَجُوزُ ثَقْبُ أُذُنِ الْبَنَاتِ الْأَطْفَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلزِّينَةِ وَكَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْحَامِلُ لَا تَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ الْوَلَدُ فَإِذَا تَحَرَّكَ فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ تَقْرُبْ الْوِلَادَةُ فَإِذَا قَرُبَتْ فَلَا تَحْتَجِمْ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ وَأَمَّا الْفَصْدُ فَلَا تَفْعَلُهُ مُطْلَقًا مَا دَامَتْ حُبْلَى؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْهُ وَكَذَا يَجُوزُ فَصْدُ الْبَهَائِمِ وَكَيُّهَا وَكُلُّ عِلَاجٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا وَجَازَ قَتْلُ مَا يَضُرُّ مِنْ الْبَهَائِمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْهِرَّةِ إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ وَيَذْبَحُهَا وَلَا يَضُرُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَيَكُونُ مُعَذَّبًا لَهَا بِلَا فَائِدَةٍ.
[[مسائل في المسابقة والقمار]]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسَابَقَةُ بِالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ أَوْ حَافِرٍ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا كَانَ لَا يُسَابَقُ أَبَدًا فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْأَرْجُلِ وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ يَحْتَاجُونَ إلَى رِيَاضَةِ خَيْلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالتَّعَلُّمِ لِلْكَلْبِ وَالْقِدَدِ مُبَاحٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ» وَمَعْنَى شَرْطِ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَلِي عَلَيْك كَذَا وَهُوَ قِمَارٌ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمْرِ الَّذِي يُزَادُ تَارَةً وَيُنْقَصُ أُخْرَى وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِمَارَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ الِازْدِيَادُ وَالنُّقْصَانُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَصَارَ ذَلِكَ قِمَارًا وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ وَالزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ وَفِي الْأُخْرَى النُّقْصَانُ فَلَا يَكُونُ مُقَامَرَةً؛ لِأَنَّ الْمُقَامَرَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رَوَيْنَا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ الْمِلْكِ عَلَى الْخَطَرِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ كَالْبَغْلِ، وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِبَاقُ بِلَا جُعْلٍ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْقِمَارُ وَالتَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ، وَفِي الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ هُوَ التَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ بِمَثَلٍ لَهُ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا تَتَحَمَّلُهَا الْفَرَسُ، وَكَذَا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ.
أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِحَاجَةِ الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَيْسَ فِي هَذَا إيجَابُ الْمَالِ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ شَرَطَ الْجُعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَدْخَلَا ثَالِثًا مُحَلِّلًا جَازَ إذَا كَانَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ كُفُؤًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ سَبَقَ فَلَا مَحَالَةَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ الْفَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا بَأْسَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَصُورَةُ إدْخَالِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَقُولَ لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك وَلَكِنَّ الشَّرْطَ الَّذِي شَرَطْنَاهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ أَيَّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute