اتِّخَاذُهَا فِي هَذَا الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يُكْرَهْ التَّرْكُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَهُوَ كَفُّ بَصَرِهِ عَمَّا وَرَاءَهَا وَجَمْعُ خَاطِرِهِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهَا. اهـ.
وَقَيَّدُوا بِقَوْلِهِمْ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ أَيْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَكْرُوهَةٌ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِمَا يُفِيدُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ النَّاسِ عَنْ الْمُرُورِ وَالطَّرِيقُ حَقُّ النَّاسِ أُعِدَّ لِلْمُرُورِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ شَغْلُهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّغْلِ وَإِذَا اُبْتُلِيَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ وَبَيْنَ أَرْضِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الطَّرِيقِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَزْرُوعَةً فَإِنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ يُصَلِّي فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَرْضَى بِهِ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَهُ يُسَرُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ أَجْرًا مِنْ غَيْرِ اكْتِسَابٍ مِنْهُ وَفِي الطَّرِيقِ لَا إذْنَ لِأَنَّ الطَّرِيقَ حَقُّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَإِنْ كَانَتْ لِكَافِرٍ يُصَلِّي عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْمَكْرُوهَاتِ بَعْدَ بَيَانِ الْمُفْسِدَاتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْمُفْسِدَ لِقُوَّتِهِ وَالْمَكْرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا كُرِهَ تَحْرِيمًا وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَاجِبُ يَعْنِي بِالنَّهْيِ الظَّنِّيَّ الثُّبُوتِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَثْبُتُ بِالْأَمْرِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ ثَانِيهِمَا الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الْعَرَقِ فَحِينَئِذٍ إذَا ذَكَرُوا مَكْرُوهًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ فَإِنْ كَانَ نَهْيًا ظَنِّيًّا يُحْكَمُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ فَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْعَبَثِ فَذَكَرَ الْكُرْدِيُّ أَنَّهُ فِعْلٌ فِيهِ غَرَضٌ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ وَالسَّفَهُ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا وَالْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعَبَثَ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَحِيحٍ حَتَّى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مُفِيدٌ لِلْمُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرِقَ فِي صَلَاةٍ فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ» أَيْ مَسَحَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ فَكَانَ مُفِيدًا وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ «كَانَ إذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ نَفَّضَ ثَوْبَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً» لِأَنَّهُ كَانَ مُفِيدًا كَيْ لَا يَبْقَى صُورَةً فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ فَهُوَ الْعَبَثُ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُكْرَهُ رَفْعُ الثَّوْبِ كَيْ لَا يَتَتَرَّبَ وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ مَسْحُ التُّرَابِ عَنْ جَبْهَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ النَّدْبُ إلَى تَتْرِيبِ الْوَجْهِ فِي السُّجُودِ فَضْلًا عَنْ الثَّوْبِ فَكَوْنُ نَفْضِ الثَّوْبِ مِنْ التُّرَابِ عَمَلًا مُفِيدًا وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِسَلْتِ الْعَرَقِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيُكْرَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَرَقَهُ أَوْ التُّرَابَ عَنْ جَبْهَتِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرَقِ الْمَمْسُوحِ عَرَقٌ لَمْ تَدْعُهُ حَاجَةٌ إلَى مَسْحِهِ وَبِالْكَرَاهَةِ الْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ فَحِينَئِذٍ
ــ
[منحة الخالق]
وَشُمُولِهِ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْجَهْرِ فِي مَوْضِعِ الْمُخَافَتَةِ عَفْوٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ الْمَفْهُومَةَ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ فَإِنَّ كَرَاهَةَ السُّتْرَةِ عِنْدَ مُوَاجَهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ الْعَامَّةِ عَنْ الْمُرُورِ يُفِيدُ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ أَوْ لِمُرَادِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُوَاجَهَةِ حَيْثُ لَمْ يَقُولُوا وَلَمْ يُصَلِّ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ مَكْرُوهَةٌ وَهَذَا أَظْهَرُ
[الْعَبَثُ بِالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى) وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَيْضًا لَا بَأْسَ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ كُرَّاسٍ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَالْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الثَّانِيَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْدَرِيُّ وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَبَثِ شَرْعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَّحِدٌ وَالنَّفْيُ فِي التَّعْرِيفِ الثَّانِي دَاخِلٌ عَلَى الْقَيْدِ وَالصِّحَّةِ لِكَوْنِهِ شَرْعِيًّا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْقَى صُورَةً) يَعْنِي حِكَايَةَ صُورَةِ الْأَلْيَة كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ) أَيْ تَعَقَّبَ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مُفِيدٌ لِلْمُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ (قَوْلُهُ فَكَوْنُ نَفْضِ الثَّوْبِ مِنْ التُّرَابِ) إلَخْ) لَيْسَ فِي كَلَامِ النِّهَايَةِ دَعْوَى أَنَّ نَفْضَ الثَّوْبِ مِنْ التُّرَابِ عَمَلًا مُفِيدًا وَلَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَعَلَّهُ فَهِمَهُ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت بِمَا قَدَّمْنَا عَنْ السَّعْدِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْضَهُ مِنْ التُّرَابِ بَلْ لِإِزَالَةِ صُورَةِ الْأَلْيَة لِالْتِصَاقِ الثَّوْبِ بِهَا (قَوْلُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ وَبَيْنَ الْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَسْحِ عَلَى مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ يَجْعَلُهُ مِنْ الْعَبَثِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا كَمَا سَيَأْتِي فَحَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ وَحَمْلُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ وَإِلَّا فَدَعْوَى الْجَوَازِ فِي الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا مَمْنُوعَةٌ قُلْت وَيَنْبَغِي التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا دَعَتْ إلَى مَسْحِهِ حَاجَةٌ وَيَكُونُ تَرْكُهُ حِينَئِذٍ أَوْلَى عَلَى نَحْوِ مَا يَأْتِي فِي قَلْبِ الْحَصَى وَحُمِلَ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ