للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا بَأْسَ لِأَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى وَيُحْمَلُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ ثَبَتَ عَلَى أَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى مَسْحِهِ أَوْ بَيَانًا لِلْجَوَازِ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ أَوْ الْحَشِيشِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَبْلَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ يُكْرَهُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ. اهـ.

وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَبَثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَكَّ بِيَدِهِ فِي بَدَنِهِ إنَّمَا يَكُونُ عَبَثًا إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَمَّا إذَا أَكَلَهُ شَيْءٌ فِي بَدَنِهِ ضَرَّهُ وَأَشْغَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِحَكِّهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ الْعَبَثِ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا مَسْأَلَةَ الْعَبَثِ لِأَنَّهَا كُلِّيَّةٌ وَغَيْرَهَا نَوْعِيَّةٌ لِأَنَّ تَقْلِيبَ الْحَصَا وَالْفَرْقَعَةَ وَالتَّخَصُّرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ وَالْكُلِّيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوْعِيِّ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْعَبَثَ بِالثَّوْبِ لَا يَشْمَلُ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَقْلِيبِ الْحَصَا وَغَيْرِهِ بَلْ إنَّمَا قَدَّمُوهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وُقُوعًا اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الشَّامِلَ لِلتَّقْلِيبِ وَغَيْرِهِ الْعَبَثُ بِالْبَدَنِ وَلَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ إلَّا لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْعَبَثِ بِالثَّوْبِ ثُمَّ إنَّ كَرَاهَةَ الْعَبَثِ تَحْرِيمِيَّةٌ لِمَا أَخْرَجَهُ الْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ مُرْسَلًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فَمَا ظَنُّك فِي الصَّلَاةِ اهـ.

وَأَرَادَ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرَامًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا كَالْقَهْقَهَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّ فَسَادَ الْقَهْقَهَةِ لَا بِاعْتِبَارِ حُرْمَتِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَهِيَ شَرْطٌ وَلِهَذَا لَا يُفْسِدُهَا النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا إلَّا إذَا كَثُرَ الْعَبَثُ فَحِينَئِذٍ يُفْسِدُهَا لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا وَفِي الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَهَا بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يَحْرُمُ وَالْحَدِيثُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَلْبُ الْحَصَا إلَّا لِلسُّجُودِ مَرَّةً) أَيْ كُرِهَ قَلْبُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِمَا أُخْرِجَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَا وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ» «وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت خَلِيلِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ تَسْوِيَةِ الْحَصَا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ ذَرْ» وَلِأَنَّهُ نَوْعُ عَبَثٍ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي فِيهِ تَحْصِيلَ السُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ تَسْوِيَتَهُ مَرَّةً لِهَذَا الْغَرَضِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مَرَّةً رُخْصَةٌ وَأَنَّ التَّرْكَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ إنَّ التَّرْكَ أَحَبُّ إلَيَّ مُسْتَدِلًّا فِي النِّهَايَةِ بِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَإِنْ تَرَكْتَهَا فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ سَوْدَاءَ الْحَدَقَةِ تَكُونُ لَك» اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّسْوِيَةَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مَرَّةً هَلْ هِيَ رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهَا جِهَتَانِ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلسُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ عَزِيمَةً وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ تَرْكَهَا أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ كَانَ تَرْكُهَا عَزِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الثَّانِي وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ كَانَ تَرْكُ الْبِدْعَةِ رَاجِحًا عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَرَّةِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ وَقِيلَ يُسَوِّيهَا مَرَّتَيْنِ ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي

(قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) وَهُوَ غَمْزُهَا أَوْ مَدُّهَا حَتَّى تُصَوِّتَ وَنُقِلَ فِي الدِّرَايَةِ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَرَاهَتِهَا فِيهَا وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي» لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ.

وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ رَفَعَهُ «الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُلْتَفِتُ وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلَعَلَّ الْمُرَادَ التَّسَاوِي فِي الْمَعْصِيَةِ وَإِلَّا فَالضَّحِكُ مُبْطِلٌ لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةُ الْفَرْقَعَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا كُرِهَ إذَا كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَكَانَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ

(قَوْلُهُ يَعْنِي فِيهِ) أَيْ يَعْنِي صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ أَنَّ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ تَحْصِيلَ السُّجُودِ التَّامِّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْإِمْكَانِ لَكَانَتْ التَّسْوِيَةُ وَاجِبَةً وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ) قَيَّدَ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَبِدْعَةٍ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>