فَاسِقًا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَيْهَا فِسْقُهُ فَإِنْ تَابَ وَظَهَرَ صَلَاحُهُ تُقْبَلُ لِزَوَالِ الْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ أَبَدًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَبُولُهَا وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ تَوْبَتِهِ وَالصَّحِيحُ التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) مُنَاسَبَتُهُ لِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِتَقَدُّمِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَتَرْجَمَ لَهُ بِالْبَابِ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ الْمُتَرْجَمِ بِكِتَابٍ إذْ لَيْسَ لَهُ أَبْوَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَهُوَ إنْ كَانَ رَفْعًا لِلشَّهَادَةِ لَكِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَهَا كَدُخُولِ النَّوَاقِضِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ وَعَنْ الْأَمْرِ يَرْجِعُ رُجُوعًا وَرَجْعًا وَرُجْعَى وَمَرْجِعًا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ نَقِيضُ الذَّهَابِ اهـ.
الثَّانِي: فِي مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا فَهُوَ نَفْيُ مَا أَثْبَتَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْت بِهِ أَوْ كَذَبْت فِي شَهَادَتِي فَلَوْ أَنْكَرَهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ الرَّابِعُ فِي شَرْطِهِ مَجْلِسُ الْقَاضِي فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِهِ وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رُجُوعِهِ وَعَدَمُ اسْتِحْلَافِهِ إذَا أَنْكَرَ كَمَا سَيَأْتِي الْخَامِسُ فِي صِفَتِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّهُ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ دِيَانَةً لِأَنَّ فِيهِ خَلَاصًا مِنْ عِقَابِ الْكَبِيرَةِ اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَكِتْمَانَ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ سَوَاءٌ فَإِذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ وَهِيَ لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْهَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ وَفِيهِ تَدَارُكُ مَا أَتْلَفَ بِالزُّورِ اهـ.
السَّادِسُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَالِهِ وَالْآخَرُ إلَى نَفْسِهِ فَالْأَوَّلُ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ ثَلَاثَةٍ سَبَبُهُ وَشَرَائِطُهُ وَمِقْدَارُهُ فَسَبَبُهُ إتْلَافُ الْمَالِ أَوْ النَّفْسِ بِهَا فَإِنْ وَقَعَتْ إتْلَافًا انْعَقَدَتْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَإِلَّا فَلَا تَنْزِيلًا لِلسَّبَبِ مَنْزِلَةَ الْمُبَاشَرَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَكَوْنُ الْمُتْلَفِ بِهَا عَيْنًا فَلَا ضَمَانَ لَوْ رَجَعَ عَنْ مَنْفَعَةٍ كَالنِّكَاحِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَمَنْفَعَةِ دَارٍ شَهِدَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِإِجَارَتِهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَا وَأَنْ يَكُونَ الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ إتْلَافٌ صُورَةً لَا مَعْنًى وَقَدْرُ الْوَاجِبِ عَلَى قَدْرِ الْإِتْلَافِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْيِهِ فَنَوْعَانِ: وُجُوبُ الْحَدِّ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لِلْقَذْفِ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ رَجْمًا كَانَ أَوْ جَلْدًا خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الرَّجْمِ وَوُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إنْ رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ لَا بَعْدَ الْجَلْدِ وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَالثَّانِي وُجُوبُ التَّعْزِيرِ عَلَيْهِ سِوَى شَهَادَةِ الزِّنَا إنْ تَعَمَّدَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ فَظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَا ضَمَانَ لَوْ أَتْلَفَا حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ لَوْ شَهِدَا بِهِ ثُمَّ رَجَعَا أَوْ الرَّجْعَةِ أَوْ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ أَوْ إسْقَاطِ خِيَارٍ مِنْ الْخِيَارَاتِ كَذَا فِي النُّتَفِ وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ وَالتَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَنْ ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ اهـ قُلْتُ: إنَّ رُجُوعَهُ قَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ إتْلَافِ الْحَقِّ وَلِجَوَازِ كَوْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ غَرَّهُ بِمَالٍ لَا لِمَا ذَكَرَهُ وَلَكِنَّهُ خَاصٌّ بِمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ يَظُنُّ بِجَهْلِهِ أَنَّهُ إتْلَافٌ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ بِالْغَرَامَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ وَهِيَ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْقَاضِيَ الْمَشْهُودَ عِنْدَهُ وَغَيْرَهُ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَلَوْ شُرْطِيًّا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ صَحِيحٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ تَوْبَتِهِ) تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَقْلَفُ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ تَأَمَّلْ.
[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]
(بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) (قَوْلُهُ وَتَرْجَمَ لَهُ بِالْبَابِ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ) أَقُولُ: يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّرْجَمَةُ بِالْكِتَابِ مُوَافِقًا لِلْهِدَايَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَحْتَهُ أَبْوَابًا مُتَعَدِّدَةً لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ بَعْضَهَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَابِ أَوْ الْفَصْلِ وَتَرَكَ بَعْضًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَشَأْنُ الْمُتُونِ الِاخْتِصَارُ وَلِذَا تَرْجَمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِالْكِتَابِ وَذَكَرَ تَحْتَهُ سِتَّةَ عَشَرَ فَصْلًا سَاقَهَا عَلَى نَسَقٍ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا وُجِّهَ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُشِيرًا بِهِ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ التَّعْزِيرُ) الْمُرَادُ بِالتَّعْزِيرِ التَّشْهِيرُ.