بِغَيْرِ رِضَاهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ لِخَوْفِ سُوءِ الْوَلَدِ لَا بَأْسَ بِهِ.
[إنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَكِبَ الْبَغْلَ وَاقْتَنَاهُ» وَلَوْ حَرُمَ لَمَا فَعَلَ وَلِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابِهِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُفِيدَ جَوَازَ الرُّكُوبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِنْزَاءِ وَالْجَوَابُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ فِي زَمَنِهِ ظَاهِرًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَلَغَهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ وكُرِهَ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ وَهَدِيَّتُهُ النَّقْدَيْنِ) يَعْنِي يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَيُكْرَهُ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ وَهَدِيَّتُهُ النَّقْدَيْنِ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جُوِّزَ مَا ذُكِرَ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ «وَقَبُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَبْلَ عِتْقِهِ» «وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ وَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» لَا يُقَالُ هَذَا الْحُكْمُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ لِأَنَّ هَذَا مَحَلُّ بَيَانِ مَا يَجُوزُ وَمَا يُكْرَهُ، وَيُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةَ مَنْ أَقْرَضَهُ إذَا كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ أَوْ يَعْلَمُ إنَّمَا أَهْدَاهَا لِأَجْلِ الْقَرْضِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ لَمْ يُكْرَهْ، وَأَمَّا هَدَايَا الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: تُرَدُّ عَلَى أَرْبَابِهَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّ الْمَذْهَبَ وَضْعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لَكِنْ تَرَكْت ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَصْرِفَهَا الْأُمَرَاءُ إلَى شَهَوَاتٍ وَلَهَوَاتٍ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمُ يَقْبَلُ هَدِيَّةَ السُّلْطَانِ وَيَأْخُذُهَا فَقِيلَ لَهُ أَيَحِلُّ أَنْ نَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ قَالَ: إنْ خَلَطْتهَا بِدَرَاهِمَ أُخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ لَمْ يَجُزْ وَفِي النَّوَازِلِ إذَا نَاوَلَ لُقْمَةً مِنْ الطَّعَامِ لِغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ تَعَامُلُ النَّاسِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّ الطَّعَامِ يَرْضَى بِذَلِكَ حَلَّ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ حَرُمَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ نَاوَلَ الْخَادِمَ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْمَائِدَةِ جَازَ، وَأَمَّا رَفْعُ الطَّعَامِ مِنْ بَيْتِهِ لِمَكَانٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يَجْلِسَ حَيْثُ يَجْلِسُ وَيَرْضَى بِمَا قُدِّمَ لَهُ، وَأَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَا يُكْثِرُ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ السُّكُوتَ عَنْ الْأَضْيَافِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْدُمَ الضَّيْفَ بِنَفْسِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي الْخَانِيَّةِ لِأَبِ الصَّغِيرِ أَنْ يُهْدِيَ لِمُعَلِّمِهِ شَيْئًا فِي الْأَعْيَادِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مَا سَقَطَ مِنْ الْمَائِدَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) أَيْ يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخَصِيِّ وَهُوَ مُثْلَةٌ وَحَرَامٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى خَصِيِّ الْبَهَائِمِ.
[وَالدُّعَاءُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدُّعَاءُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) وَفِيهَا عِبَارَتَانِ بِمَعْقِدِ وَبِمَقْعَدِ فَالْأُولَى مِنْ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْعُقُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ عِزَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالٍ عَنْ صِفَاتِ الْحُدُوثِ بَلْ عِزُّهُ قَدِيمٌ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ حُدُوثَ تَعَلُّقِ صِفَتِهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ حَادِثٍ لَا يُوجِبُ حُدُوثَ تِلْكَ الصِّفَةِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فَإِنَّ صِفَةَ الْعِزِّ ثَابِتَةٌ لَهَا أَزَلًا وَأَبَدًا، وَعَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْعَرْشِ الْحَادِثِ قَبْلَ خَلْعِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ عِزِّهِ وَلَا نُقْصَانًا فِيهِ كَمَا أَنَّ تَعَلُّقَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْعَجِيبِ الصُّنْعِ قَبْلَ خَلْقِهِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ قُدْرَتِهِ أَوْ نَقْصًا فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ التَّعَلُّقَاتُ الْحَادِثَةُ بِظَاهِرِ الصِّفَاتِ لَا مُبَادِيَ لَهَا وَلَك أَنْ تُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا هَرَبُوا عَنْهُ لَيْسَ إلَّا لِإِيهَامِ مُطْلَقِ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْمُحْدَثِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ ظُهُورَ الْمُحْدَثَاتِ كُلِّهَا وَبُرُوزَهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى دَائِرَةِ الْوُجُودِ بِحَسَبِ تَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ بِذَلِكَ وَالْحُدُوثُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَلُّقَاتِ دُونَ أَصْلِ الصِّفَاتِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِمَا هَرَبُوا عَنْهُ إيهَامُ تَعَلُّقِ عِزِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُحْدَثِ تَعَلُّقًا خَاصًّا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُحْدَثُ مُبْتَدَأً أَوْ مُنْشَأً لِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُوهِمُ كَلِمَةُ " مِنْ " فِي عَرْشِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي عِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَصْلًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي دُعَائِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَقُولُ أَسْأَلُك بِمَقْعَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك» وَالِاحْتِيَاطُ الِامْتِنَاعُ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ مُخَالِفٍ لِلْقَطْعِيِّ.
رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّسْبِيحِ عَمَّا هُمْ فِيهِ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَأَفْضَلُ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيُثَابُ كَمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى فِي السُّوقِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute