للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَمَّامَ فَرَأَى رَجُلًا مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ يُقَالُ لَهُ بطرطا وَكَانَ رَجُلًا مُتَكَلِّمًا فَغَضَّ أَبُو حَنِيفَةَ بَصَرَهُ فَقَالَ لَهُ الْعَاصِي: مُذْ كَمْ أَعْمَى اللَّهُ بَصَرَك قَالَ مُذْ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَكَ. اهـ.

وَفِي الْكَافِي وَعَظْمُ السَّاقِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ اهـ.

[يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ أَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ أَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ) يَعْنِي عَنْ شَهْوَةٍ وَغَيْرِ شَهْوَةٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غُضَّ بَصَرَكَ إلَّا عَنْ زَوْجَتِكَ، وَأَمَتِكَ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسُّ وَالْغِشْيَانُ فَالنَّظَرُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْبَعِيرِ» ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ الْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ زَوْجَتِهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْت الْإِمَامَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ أَمَتِهِ أَوْ هِيَ تَمَسُّ فَرْجَهُ لِيُحَرِّكَ آلَتَهُ أَلَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ قَالَ أَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ الَّتِي يَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ كَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمُشْرِكَةِ أَوْ أُخْتِهِ رَضَاعًا أَوْ أُمِّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا وَفِي الْيَنَابِيعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ فِي الدُّبُرِ إلَّا عِنْدَ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجْهِ مَحْرَمِهِ وَرَأْسِهَا فَصَدْرِهَا وَسَاقُهَا وَعَضُدِهَا لَا إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخْذِهَا) يَعْنِي يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ مَحْرَمِهِ إلَى آخِرِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَى ظَهْرِهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْسَ الزِّينَةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَيْنِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقًا وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ، وَالشُّعُورُ وَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ، وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلَجِ وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخْذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوَاضِعِ الزِّينَةِ وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا احْتِشَامٍ، وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ وَلَا تَكُونُ مَسْتُورَةً عَادَةً فَلَوْ أُمِرَتْ بِالسَّتْرِ مِنْ مَحَارِمِهَا لَحُرِجَتْ حَرَجًا عَظِيمًا وَالشَّهْوَةُ فِيهِنَّ مُنْعَدِمَةٌ مِنْ الْمَحَارِمِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ وَلَا سَبَبَ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَإِنْ كَانَ بِالزِّنَا وَقِيلَ إنْ كَانَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ثَابِتَةً بِالزِّنَا لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا ذُكِرَ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّهِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَا بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَنْسَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْفَخْذَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ نَظَرِ الْمَحْرَمِ إلَى هَذَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فِيهِ أَغْلَظُ فَإِنْ قُلْت الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْفَخْذِ بَيَانُ الْوَاقِعِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ الْتِزَامًا.

قُلْت: إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَذْكُرَ الرُّكْبَةَ بَدَلَ الْفَخْذِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخْذِ وَفِي الْفَخْذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ فَبِذِكْرِ الْفَخْذِ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الرُّكْبَةِ بِكَوْنِهَا أَخَفَّ وَأَمَّا بِذِكْرِ الرُّكْبَةِ فَيُعْلَمُ حُكْمُ الْفَخْذِ وَالسَّوْأَةِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَقْوَى مِنْهَا فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ وَاسْتَدَلَّ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْمُجْتَبَى عَلَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِمُلَابَسَةِ الْآيَةِ التَّقْدِيرَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ لَا الْحُرْمَةِ وَالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَحَارِمِ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةَ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ قَوْلُنَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِمَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمَحَارِمَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ رُبَّمَا كَانَتْ مَكْشُوفَةَ الْعَوْرَةِ فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهَا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا غَفْلَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ لَا النَّدْبُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَحَارِمِهِ فَلَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْمَحَارِمِ أَيْسَرُ، وَأَسْهَلُ فَتَلَخَّصَ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي بَيْتِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ حَرَامٌ وَفِي بَيْتِ مَحَارِمِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَكْرُوهٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، ثُمَّ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: إذَا جَازَ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِجَوَازِ مَا ذَكَرْنَا لِنُقْصَانِ الْحِرْزِ فِي حَقِّهِ، قُلْت: لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَأَمَّا جَوَازُ الدُّخُولِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ مَمْنُوعٌ ذَكَرَهُ خواهر زاده أَنَّ الْمَحَارِمَ مِنْ حَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>