فَوَارِثُهُ مُخَيَّرٌ فِي دَفْنِهِ فِيهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَتَّخِذَ دَارِهِ خَانًا يَنْزِلُ فِيهِ النَّاسُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُتَّخَذَ سِقَايَةَ رَجُلٍ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَبَاعَتْ امْرَأَتُهُ دَارًا مِنْ تَرِكَتِهِ لَكِنْ بِغَيْرِ إذْنِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَالْبَيْعُ فِي نَصِيبِهَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ كَفَّنْته بِكَفَنٍ مِثْلِهِ تَرْجِعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَفَّنْته بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ لَا تَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ كَفَنِ الْمِثْلِ رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ لَهُ مِنْ ثَمَنٍ كَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ الْوَصِيُّ مِنْ ثَمَنِ كَذَا وَكَأَنْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَجِدْ لَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ كَفَنًا فَدُفِنَ فِيهِ الْمَيِّتُ فَظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ فَهُوَ وَالْوَصِيُّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ.
وَالْأَجْنَبِيُّ لَا يَرْجِعُ وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي مَسْحٍ كَأَنْ اشْتَرَى وَتُغَلُّ يَدُهُ وَتُقَيَّدُ رِجْلُهُ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِمَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَبَطَلَتْ وَيُكَفَّنُ كَفَنَ مِثْلِهِ وَيُدْفَنُ كَمَا يُدْفَنُ سَائِرُ النَّاسِ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرٍ فِيهِ مَيِّتٌ آخَرُ قَالَ إذَا بَلِيَ الْأَوَّلُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِظَامِ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ الْعِظَامُ فَإِنَّهُ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ وَلَا تُحَرَّكُ الْعِظَامُ وَيُدْفَنُ الثَّانِي بِقُرْبِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءُوا وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ الصَّعِيدِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَيُدْفَنُ هُنَاكَ وَيُبْنَى هُنَاكَ رِبَاطٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يُحْمَلْ إلَى هُنَاكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَصِيَّتُهُ بِالرِّبَاطِ جَائِزَةٌ، وَوَصِيَّتُهُ بِالْحَمْلِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ حَمَلَهُ الْوَصِيُّ يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي حَمْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ: هَذَا إذَا حُمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ حُمِلَ بِإِذْنِهِمْ وَهُمْ كِبَارٌ فَلَا ضَمَانَ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ وَيُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْيِينِ فَيَجُوزُ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ دَفَعَ إلَى ابْنَتِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ: إنْ مِتّ أَنَا فَاعْمُرِي قَبْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَاشْتَرِي بِالْبَاقِي حِنْطَةً وَتَصَدَّقِي بِهَا قَالَ الْخَمْسَةُ الْوَصِيَّةُ بِهَا لَا تَجُوزُ وَيُنْظَرُ إلَى الْقَبْرِ الَّذِي أَمَرَ بِعِمَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ لِلتَّخْصِيصِ لَا لِلزِّنْيَةِ عُمِّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي يَصَّدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِعِمَارَتِهِ عَلَى الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فَوَصِيَّتُهُ جَائِزَةٌ وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَدْفَعَ إلَى إنْسَانِ كَذَا مِنْ مَالِهِ لِيَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.
قَالَ إنْ كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ دُونَ الْأَجْرِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ وَكَانَ يَقُولُ لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ، وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ.
وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ فِي الِاسْتِحْسَانِ سُئِلَ أَبُو النَّصْرِ عَنْ شَيْءٍ يُلْقَى فِي الْقَبْرِ بِجَنْبِ الْمَيِّتِ مِثْلَ الْمَضْرَبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْكَفَنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ إذَا كَانَ مَحْشُوًّا لَا تَبْقَى تَحْتَهُ، وَالْمَحْشُوُّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي حَقِّ الشَّهِيدِ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ، وَالْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ لَمَا أَمَرَ بِنَزْعِهِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ نَحْفِرَ عَشَرَةَ أَقْبُرٍ قَالَ إنْ عَيَّنَ مَقْبَرَةً لِيُدْفَنَ فِيهَا الْمَوْتَى فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِمَارَةُ الْمَقْبَرَةِ وَأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ لِدَفْنِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَلِلْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحْفِرَ مِائَةَ قَبْرٍ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي مَحَلَّتِهِ وَيَكُونُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اخْتَارُوا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَقْبَرَةَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا أَوْصَى أَنْ تُدْفَنَ كُتُبُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا شَيْءٌ لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ وَيَكُونُ فِيهِ فَسَادٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ، وَالْكُتُبُ الَّتِي فِيهَا الرُّسُلُ، وَفِيهَا اسْمُ اللَّهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهَا صَاحِبُهَا بِحَيْثُ أَنْ لَا يَقْرَأَهَا وَاجِبٌ مَحْوُ مَا فِيهَا مِنْ اسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَحْفِرْ لَهَا وَيُلْقِيهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي الْكَثِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَدَفَنَهَا فِي أَرْضٍ طَاهِرَةٍ وَلَا يَنَالُهَا قَذَرٌ كَانَ حَسَنًا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرِقَهَا بِالنَّارِ حَتَّى يَمْحُوَ مَا كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاءِ رُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْفَضْلِ رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعَ كُتُبُهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْعِلْمِ وَتُوقَفُ كُتُبُ الْعِلْمِ فَفَتَّشَ كُتُبَهُ فَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ فَكَتَبُوا إلَى أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّ كُتُبَ الْكَلَامِ تُبَاعُ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْعِلْمِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَهْلُ الْأُصُولِ وَقَدْ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ مَسْأَلَةِ دَفْعِ الْمُصْحَفِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ.
[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ]
(بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي وَصِيَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَرْجَمَ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute