يَكُنْ فِيهِ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ لَفْظُ الْأَبَدِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبَدًا أَوَّلًا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ لَكِنْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ، وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ غَيْرِهَا وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ، وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالْوَلَدُ الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ يَسْتَحِقُّ بِجَمِيعِ الْعُقُودِ تَبَعًا وَيُجْعَلُ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ وَذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْغَلَّةِ، وَالثَّمَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهَا عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى الظُّهْرِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلْوَصِيَّةِ بِالْكَفَنِ، وَالدَّفْنِ وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ وَنَحْوِهِ فَنَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يُكَفَّنَ بِالْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إسْرَافٌ وَلَا تَقْتِيرٌ وَلَا تَضْيِيقٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثِيَابِهِ حَالَ حَيَاتِهِ لِلْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْوَلِيمَةِ وَقِيلَ لِلْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لِمَ اُعْتُبِرَتْ ثِيَابُ الْجُمُعَةِ، وَالْوَلِيمَةِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ ثِيَابُ الْبِذْلَةِ كَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ امْرَأَةٍ صَاحِبَةِ فِرَاشٍ أَوْصَتْ ابْنَتَهَا أَنْ تُكَفِّنَهَا بِسِتِّينَ دِرْهَمًا بِمَا يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: إنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ بِإِذْنِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ ضَمَنَتْهَا جُمْلَةَ الثِّيَابِ إنْ كَانَتْ الْكُلُّ وَضِيعَةً وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ رَفِيعَةً دُونَ الْبَعْضِ مِمَّا كَانَ فِيهِ يُكَفَّنُ مِثْلُهَا لَمْ تَضْمَنْ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ضَمِنَتْهُ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ، وَالْمُخْتَارِ: أَنَّهَا مُتَبَرِّعَةٌ فِي الْكُلِّ إنْ فَعَلَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ تَضْمَنُ وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّنْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ لَهُ بِثَمَنِ كَذَا وَفَعَلَ الْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ مِيرَاثًا وَذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْوَرَثَةِ، وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ إلَى زَوْجِهَا أَنْ يُكَفِّنَهَا مِنْ مَهْرِهَا الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ قَالَ أَمْرُهَا وَنَهْيُهَا فِي بَابِ الْكَفَنِ بَاطِلٌ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ قَالَ وَصِيَّتُهَا فِي تَكْفِينَهَا بَاطِلَةٌ.
وَلَوْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا يَكُونُ كَفَنُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ دُونَ الزَّوْجِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَاؤُنَا قَالَ فِي الْفَقِيهِ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرَوَى خَلَفٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْكَفَنَ عَلَى الزَّوْجِ كَالْكِسْوَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَالَ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ كَذَا وَيُدْفَنَ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَالْوَصِيَّةُ فِي تَعْيِينِ الْكَفَنِ وَمَوْضِعِ الْقَبْرِ بَاطِلَةٌ، وَفِي رَوْضَةِ الزَّنْدُوسَنِيِّ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ فِي سِتَّةِ أَثْوَابٍ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَيُرَاعَى شَرَائِطُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا تُعْرَفُ لِفُلَانٍ الزَّاهِدِ تُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ مَعَ فُلَانٍ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ فِيمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا قَالَ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ ثَوْبًا وَاحِدًا يُكَفَّنُ فِيهِ وَإِلَّا يُسْأَلُ قَدْرُ ثَوْبٍ وَيُكَفَّنُ فِيهِ وَلَا يُسْأَلُ الزِّيَادَةُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً قَالَ الْفَقِيهُ هَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهِ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَصِيَّتِهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ دُفِنَ فِيهَا فَهُوَ كَدَفْنِهِمْ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ رَأَى الْأَمْرَ بِرَفْعِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ أَنْ تُجْعَلَ دَارُهُ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي بَيْتِهِ لَا يَصِحُّ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيُؤْجَرُ إنْ صَلَّى عَلَيْهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي أَكْفَانِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي حَفْرِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سِقَايَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ هَذَا بَاطِلٌ.
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَكْفَانِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي حَفْرِ مَقَابِرِهِمْ فَهَذَا جَائِزٌ.
وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُتَّخَذَ دَارُهُ مَقْبَرَةً فَمَاتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute