للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِيلَاءَ مَحْظُورٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالْمَحْظُورُ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَةِ الْخَصْمِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى مَا لَهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ ضَرُورَةً تُمَكِّنُ الْمَالِكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ عَادَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ، غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةِ تَفَوُّقِ الْمِلْكِ وَهُوَ الثَّوَابُ الْآجِلُ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الْعَاجِلِ قَيَّدَ بِالْإِحْرَازِ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فَظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِمُلَّاكِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ اقْتَسَمُوهَا فِي دَارِنَا لَمْ يَمْلِكُوا وَفِي الْمُحِيطِ يُفْرَضُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ وَمُقَاتَلَتُهُمْ لِاسْتِنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَيْدِيهمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ دَخَلُوا بِهَا دَارَ الْحَرْبِ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ وَالْأَوْلَى اتِّبَاعُهُمْ بِخِلَافِ الذَّرَارِيِّ يُفْتَرَضُ اتِّبَاعُهُمْ مُطْلَقًا وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا فَلَا سَبِيلَ لِأَرْبَابِهَا عَلَيْهَا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ فَمَنْ وَجَدَ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ مَجَّانًا وَبَعْدَهَا بِالْقِيمَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ إنْ وَجَدْته قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْته بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِالْقِيمَةِ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ زَالَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ نَظَرًا لَهُ إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْذِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ضَرَرًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ فَيَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامَّةً فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قِيمَتِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَرَكَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ زَمَانًا طَوِيلًا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَمَا سَيَأْتِي.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِقِيمَتِهِ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقِيَمِيِّ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ وَالْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ سَبَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَذَلِكَ الْعِتْقُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ جَازَ عِتْقُهُ عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَخَرَجَ هَارِبًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَ مَوْلَاهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ صَارَ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيَرْفَعُ خُمُسَهُ وَيَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ إذَا أَخَذَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ آخُذُهُ وَأُخَمِّسُهُ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْلَى وَأَجْعَلُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ وَالْمَالِ الَّذِي مَعَهُ لِلْآخِذِ فَإِنْ جَاءَ مَوْلَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ جَاءَ مَوْلَاهُ قَبْلَ أَنْ يُخَمِّسَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ اهـ.

وَفِي الْمُلْتَقَطِ عَبْدٌ أَسَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَلْحَقُوهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ أَبَقَ مِنْهُمْ يُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ يَعْتِقُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِالثَّمَنِ لَوْ اشْتَرَاهُ تَاجِرٌ مِنْهُمْ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى مَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ مَالِكُهُ الْقَدِيمُ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ التَّاجِرُ مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مَجَّانًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَقَعَ الْعِوَضُ بِمُقَابَلَتِهِ فَكَانَ اعْتِدَالُ النَّظَرِ فِيمَا قُلْنَا وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَإِنْ أَقَامَا فَعَلَى قَوْلِهِمَا الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَرَادَ بِالثَّمَنِ الْبَدَلَ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إلَخْ) أَيْ وَكَوْنُهُ مُبَاحًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ ضَرُورَةُ تَمَكُّنِ الْمُحْتَاجِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَادَ مُبَاحًا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَحْظُورُ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بِأَنَّ ذَاكَ فِي الْمَحْظُورِ لِنَفْسِهِ أَمَّا الْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ فَلَا فَإِنَّا وَجَدْنَاهُ صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَاهَةِ تَفَوُّقِ الْمِلْكِ وَهُوَ الثَّوَابُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الدُّنْيَوِيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ.

[اشْتَرَى مَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ]

(قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً إلَخْ) قَالَ فِيهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ قِيمَةِ الْعِوَضِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الْعَدُوِّ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>