الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَدْرًا أَوْ بِأَرْدَأَ مِنْهُ وَصْفًا فَإِنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ وَلَا يَكُونُ رِبًا لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِصُ مِلْكَهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فِدَاءٌ لَا عِوَضٌ فَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ نَسِيئَةً فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَلَوْ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ نَقْدًا بِبَيْتِ الْمَالِ لِرَجُلٍ وَأَحْرَزُوهَا فَاشْتَرَاهَا التَّاجِرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ غَلَّةً وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَبْضٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِمِثْلِ الْغَلَّةِ الَّتِي نَقَدَهَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعَ أَنَّهُ فِي الْأَخِيرَةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ بِأَرْدَأَ مِنْهُ وَصْفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ الْأَخْذُ.
وَهَاهُنَا مَسَائِلُ لَا بَأْسَ بِأَبْرَادِهَا تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ مِنْهَا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُحَرَّزَةَ لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُودَعٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ هَلْ لَهُ الْمُخَاصَمَةُ وَالِاسْتِرْدَادُ أَمْ لَا؟ قَالُوا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الْمَغْنُومِ وَيَأْخُذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَوْدِعُ وَإِذَا أَخَذَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَادَ الْعَبْدُ إلَى الْإِجَارَةِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْأَجْرُ فِي مُدَّةِ أَسْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ أَنْكَرَ الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ الْإِجَارَةُ فَأَقَامَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَثَبَتَتْ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَوْدَعِ الْمُخَاصَمَةُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْهَا لَوْ وَهَبَهَا الْعَدُوُّ لِمُسْلِمٍ فَأَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهَا الْمَالِكُ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَمِنْهَا لَوْ أَسَرَ الْعَدُوُّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ يَأْخُذُهَا الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ يُحْيِي بِهِ حَقَّهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنُ الثَّانِي وَاجِبٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِعَقْدِهِ وَمِنْهَا إذَا وَقَعَ الْعَبْدُ الْمَأْسُورُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَدَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ وَلَا يَبْقَى لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّ الْمَأْسُورَ مِنْهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي الْمَأْسُورِ وَلَوْ زَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ لَهُ أَخْذُهَا وَوَلَدَهَا لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَا يَمْنَعُ النَّفَلَ وَلَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ وَإِنْ أَخَذَ عُقْرَهَا أَوْ أَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا لَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهَا سَبِيلٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ أَجْزَائِهَا وَهِيَ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ، وَالْعُقْرُ وَالْأَرْشُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْزَائِهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي مِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ لِلْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَا تَجْرِي فِيهِمَا الْمُفَادَاةُ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ.
وَمِنْهَا أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَأْسُورَ لِلْيَتِيمِ مِنْ مُشْتَرِيه بِالثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِثْلَ قِيمَتِهِ وَمِنْهَا لَوْ رَهَنَهُ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يَفْتَكَّهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الِافْتِكَاكِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ يُعْطِي الثَّمَنَ فَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَهُ الْمُشْتَرِي فَلِلْمَوْلَى أَخَذُهُ وَإِبْطَالُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ.
وَمِنْهَا لَوْ أَسَرُوا عَبْدًا فِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَرَجَعَ إلَى مَوْلَاهُ الْقَدِيمِ فَالْكُلُّ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ أَوْ رَجَعَ بِمِلْكٍ مُبْتَدَأٍ فَجِنَايَةُ الْعَمْدِ وَالدَّيْنِ بِحَالِهِ وَسَقَطَتْ جِنَايَةُ الْخَطَأِ لِأَنَّ الْعَمْدَ مُتَعَلِّقٌ بِرُوحِهِ وَالدَّيْنُ بِذِمَّتِهِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فَمُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّتِهِ ابْتِدَاءً فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى إلَى مِلْكِ مَنْ لَا يَخْلُفُهُ بَطَلَ الْكُلُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ مِنْ التَّاجِرِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ فُقِئَتْ وَأَخَذَ التَّاجِرُ أَرْشَهَا يَعْنِي لَا يَحُطُّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْأَرْشَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمَّا تَحَوَّلَتْ إلَى الشَّفِيعِ صَارَ الْمُشْتَرِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ فِيهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ أَمَّا هُنَا الْمِلْكُ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ صَحِيحٌ فَلَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْفَاقِئَ غَيْرُ التَّاجِرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَهُ عِنْدَ الْغَازِي الْمَقْسُومِ لَهُ فَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْفَاقِئِ فَلِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ أَخْذُهُ مِنْ الْفَاقِئِ بِقِيمَتِهِ أَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا بِقِيمَتِهِ سَلِيمًا وَهِيَ الَّتِي أَعْطَاهَا الْفَاقِئُ لِلْمَوْلَى وَالْفَرْقُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ اهـ.
وَعِبَارَةُ صَاحِبِ السِّرَاجِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ انْتَهَتْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى هَذَا الْكُرَّ مِنْهُمْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا اهـ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَبِقِيمَتِهِ نَفْسِهِ وَالْأَوَّلُ مَحْمَلُ كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ وَالثَّانِي مَحْمَلُ كَلَامِ السِّرَاجِ وَلَا يُنَافِيه مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute