للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَنْبُتْ فَقَامَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ بَذَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَنْبُتْ وَلَمْ يَسْقِهِ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ سَقَاهُ حَتَّى نَبَتَ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمَزَارِعُ وَسَقَّاهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَيَضْمَنُ الْبَذْرَ لِرَبِّهِ وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ فِي سَقْيِهِ وَمَا عَلِمْته مِنْ الْجَوَابِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمُعَامَلَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُزَارَعَةِ أَوْ الْمُعَامَلَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْعَقْدِ، أَوْ الشَّرْطِ أَوْ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى جَوَازٍ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَشْرُوطِ - وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ - إنْ كَانَ قَبْلَ الْمُزَارَعَةِ وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الزَّارِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَالنَّبَاتِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ بَعْدَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَقَبْلَهَا يَتَحَالَفَانِ، وَبُدِئَ بِيَمِينِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَاخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا قَبْلَ الزَّرْعِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَقَامَا مَعًا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْبَذْرِ أَوْلَى، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صَاحِبِ الْبَذْرِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَةِ الْمُزَارِعِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَذْرِ، وَفِي شَرْطٍ وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَلَمْ يُدْرَ مَا فُعِلَ بِحِصَّةِ الْمُزَارِعِ فَضَمَانُ حِصَّةِ الْمُزَارِعِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِلْوَدِيعَةِ وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ بَعْدَمَا انْتَهَتْ الثَّمَرَةُ فَلَمْ يُوجَدْ فِي النَّخْلِ شَيْءٌ إنْ عُلِمَ خُرُوجُ الثَّمَرَةِ ضَمِنَ حِصَّةَ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَتَفَاصِيلُهُ تُطْلَبُ مِنْهُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالذَّبَائِحِ كَوْنُهَا إتْلَافًا فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ إتْلَافُ الْحَبِّ فِي الْأَرْضِ لِلِانْتِفَاعِ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا، وَالذَّبْحُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ بِإِزْهَاقِ رُوحِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي تَعْقِيبَ الْمُزَارَعَةِ بِالذَّبَائِحِ دُونَ تَعْقِيبِ الْمُسَاقَاةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ فَكَانَتْ الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالذَّبَائِحِ لِدُخُولِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْمُزَارَعَةِ ضِمْنًا فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَيُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِ الذَّكَاةِ لُغَةً وَشَرْعًا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِ جَوَازِهَا وَحُكْمِهَا. أَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهِيَ إمَّا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْحِدَّةِ يُقَالُ سِرَاجٌ ذَكِيٌّ إذَا كَانَ يَرَاهُ فِي غَايَةِ الْحِدَّةِ وَيُقَالُ فُلَانٌ ذَكِيٌّ إذَا كَانَ سَرِيعَ الْفَهْمِ وَالْإِدْرَاكِ لِحِدَّةِ خَاطِرِهِ وَفَهْمِهِ وَيُقَالُ مِسْكٌ ذَكِيٌّ إذَا كَانَ طَيِّبَ الرَّائِحَةِ يَقُومُ مِنْهُ الرِّيحُ، وَإِمَّا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الطَّهَارَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاةٌ» أَيْ طَهَارَتُهُ وَقَالَ «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» أَيْ طَهَارَتُهَا، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ فِي الذَّكَاةِ فَإِنَّ فِيهَا حِدَّةً مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُسْرِعَةٌ إلَى الْمَوْتِ وَتُطَهِّرُ الْحَيَوَانَ عَنْ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوحَةِ وَالرُّطُوبَاتِ السَّائِلَةِ النَّجِسَةِ

، وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ الْقَطْعُ، وَالْجَرْحُ، وَأَمَّا شَرْطُهَا فَأَرْبَعَةٌ: آلَةٌ قَاطِعَةٌ جَارِحَةٌ، وَالثَّانِي كَوْنُ الذَّبْحِ مِمَّنْ لَهُ مِلَّةٌ حَقِيقَةً كَالْمُسْلِمِ، أَوْ ادِّعَاءً كَالْكَافِرِ، وَالثَّالِثُ كَوْنُ الْمَحَلِّ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ إمَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَشَعْرِهِ، وَالرَّابِعُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَنَا لِمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَطَهَارَةُ الْمَذْبُوحِ وَحِلُّ أَكْلِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَطَهَارَةُ عَيْنِهِ لِلِانْتِفَاعِ إذَا كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ قَوْلُهُ: وَالذَّبْحُ إلَى آخِرِهِ، وَتَرْجَمَ بِالذَّبَائِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالذَّبَائِحِ الذَّبْحَ الَّذِي هُوَ الذَّكَاةُ وَالْمُؤَلِّفُ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلِذَا قَالَ: (هِيَ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ) يَعْنِي: الذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْبُوحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يُتَرْجِمَ بِالذَّبْحِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَالْمُكَلَّفُ إنَّمَا يَبْحَثُ عَنْ الْأَفْعَالِ أَوَّلًا بِالذَّاتِ لَا عَنْ الْأَعْيَانِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَقَوْلُهُ: جَمْعُ ذَبِيحَةٍ الْأَوْلَى تَرْكُهُ لِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَبْحَثُ عَنْ الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ وَإِنَّمَا يَبْحَثُ عَنْ الْأَحْكَامِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْتَ» وَالْمُرَادُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَوْدَاجِ تَغْلِيبًا وَبِهِ يَحِلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>