اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ لَا يَفْنَيَانِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَفِي الْحَاوِي سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَمَّنْ قِيلَ لَهُ أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ: عِنْدِي أَنِّي عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُنَاظِرِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْبِلَ عَلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْفَنِّ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْهُ فِي غَايَةٍ فَيَصِيرَ إلَى حَدِّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُنَاظَرَةِ وَالْمُحَاجَّةِ، أَوْ يَلْزَمَ الَّذِي قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِلَّةِ وَيَجْتَنِبَ الْمَعْصِيَةَ وَالْحَمِيَّةَ لِغَيْرِ الدِّينِ وَيُؤَدِّيَ فَرَائِضَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجُمَلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ لَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَبْلَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَقَبْلَ الْعَرْشِ وَالْهَوَاءِ وَقَبْلَ مَا خَلَقَ مِنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا، أَوْ أَنَّهُ الْقَدِيمُ وَمَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ وَأَنَّهُ الْعَادِلُ فِي قَضَائِهِ الصَّادِقُ فِي إخْبَارِهِ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَأَنَّهُ لَا يُكَلِّفهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ وَأَنَّهُ حَكِيمٌ وَحَسَنٌ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ فِي كُلِّ مَا خَلَقَ وَقَضَى وَقَدَّرَ وَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِهِمْ الْعُسْرَ وَأَنَّهُ إنَّمَا بَعَثَ إلَيْهِمْ الْمُرْسَلِينَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُبَ لِيَذَّكَّرَ مَا وَقَعَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَذَّكَّرُ وَيَخْشَى وَيُلْزِمَ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَيَأْبَى وَأَنَّ الْخِيرَةَ فِيمَا قَضَاهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ وَأَنَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَأَنَّ الرِّضَا بِقَضَائِهِ وَاجِبٌ وَالتَّسْلِيمَ لِأَمْرِهِ لَازِمٌ، وَأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّ مَا قَضَى فَهُوَ مَاضٍ فِي خَلْقِهِ وَمَا قَدَّرَ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُمْ وَأَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ هُوَ تَأْوِيلُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ نَافِذٌ فِي خَلْقِهِ، دَأْبُهُمْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي أَدَاءِ مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ لَا يَضُرُّهُ بَذْلُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ مَنْعُهُ وَأَنَّهُ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إلَّا لِيَعْبُدُوهُ وَأَنَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ إضْلَالَهُ لَيْسَ كَإِضْلَالِ الَّذِي عَلِمَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَحِزْبُهُ وَأَنَّهُ يُضِلُّ الظَّالِمِينَ وَلَا يُضِلُّ الْفَاسِقِينَ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْرَمُ الْخَلْقِ وَأَفْضَلُهُمْ، وَمِعْرَاجُهُ إلَى الْعَرْشِ إلَى مَا أَكْرَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرُؤْيَةُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَقٌّ، وَرِسَالَةُ الرُّسُلِ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِمْ وَرُسُلُ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ، وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ، كَرَامَةُ الْأَوْلِيَاءِ حَقٌّ، وَالْوَلِيُّ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ النَّبِيِّ وَشَفَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِبَعْضِ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ، وَأَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّمِيمِيُّ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْأُمَوِيُّ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ قُرَشِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ هَاشِمِيًّا. الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا هِيَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ. الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَقْلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ أَهْلُ الْجَنَّةِ آمِنُونَ عَنْ الْعَزْلِ غَيْرُ آمِنِينَ عَنْ خَوْفِ الْجِدَالِ. أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ قِيلَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ هُمْ فِي النَّارِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ تَوَقَّفَ فِيهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الرَّضِيُّ: إنَّ وَلَدَ الْكَافِرِ كَافِرٌ. الْكَلَامُ فِي الرُّوحِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، ثُمَّ قِيلَ هِيَ الْحَيَاةُ وَقِيلَ هِيَ عَرَضٌ وَقِيلَ: إنَّهُ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَهِيَ رِيحٌ مَخْصُوصٌ، سُؤَالُ مُنْكِرٍ وَنَكِيرٍ حَقٌّ وَسُؤَالُهُمَا الْأَنْبِيَاءَ قِيلَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى مَا إذَا تَرَكْتُمْ أُمَّتَكُمْ، وَفِي بُسْتَانِ الْفَقِيهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ الْحَفَظَةِ قَالَ الْفَقِيهُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَمْر الْحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْتُبُونَ جَمِيعَ أَقْوَالِ بَنِي آدَمَ وَأَفْعَالِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكْتُبُونَ إلَّا مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ إثْمٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُونَ الْجَمِيعَ فَإِذَا صَعِدُوا السَّمَاءَ حَذَفُوا مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إثْمَ وَقَالَ هُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ هُمَا مَلَكَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَاَلَّذِي عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ بِغَيْرِ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ وَاَلَّذِي عَنْ يَسَارِهِ لَا يَكْتُبُ إلَّا بِشَهَادَةٍ مِنْهُ إنْ قَعَدَ قَعَدَ الْحَفَظَةُ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، وَإِنْ مَشَى فَأَحَدُهُمَا أَمَامَهُ وَالْآخَرُ خَلْفَهُ، وَإِنْ نَامَ فَأَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ بِالنَّهَارِ وَاثْنَانِ بِاللَّيْلِ وَالْخَامِسُ لَا يُفَارِقُهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَفَرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ لِأَنَّ أَمْرَهُمْ فُرُطٌ وَعَلَيْهِمْ وَاحِدٌ، قَالَ الْفَقِيهُ: لَا يُؤْخَذُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ بِذِكْرِ الْحَفَظَةِ فِي شَأْنِ الْكُفَّارِ.
[تَتِمَّةٌ هَلْ عَلَى الصَّبِيِّ حَفَظَةٌ يَكْتُبُونَ لَهُ]
(تَتِمَّةٌ) سَأَلَ بَعْضُهُمْ هَلْ عَلَى الصَّبِيِّ حَفَظَةٌ يَكْتُبُونَ لَهُ فَقَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ قِيلَ لَهُ: هَلْ يَكُونُ مَعْذُورًا بِتَرْكِ النَّظَرِ قِيلَ: اسْتِكْمَالُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ الشَّرْعِ فَقَالَ: إنْ كَمُلَ شَرَائِطُ تَكْلِيفِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَخَطَرَ بِبَالِهِ الْخَوْفُ مِنْ تَرْكِ النَّظَرِ لَا يُعْذَرُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ عَذَابُ الْقَبْرِ لِلْكَافِرِينَ، أَوْ لِبَعْضِ الْعُصَاةِ حَقٌّ يُؤْمِنُ بِهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِكَيْفِيَّتِهِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ، فَصْلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُضْمَرَاتِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute