للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَأَظْهَرَهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِفْلَاسَ وَلَيْسَ لِحَبْسِهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بَلْ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَحَبْسِ الْغَرِيمِ الدَّيْنَ وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَعَكَسَ الْمَالِكُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ وَهُوَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي الْعَوَارِضَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ حَبَسَهُ وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ الْغَاصِبَ إذَا عَيَّبَ الْمَغْصُوبَ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ جَوَابُ الْجَوَابِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ جَوَابُ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ يَدٍ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ قِيلَ وَالنَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَاحِدٌ وَقِيلَ التَّحْوِيلُ النَّقْلُ مِنْ مَكَان وَالْإِثْبَاتُ فِي مَكَان آخَرَ وَالنَّقْلُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ بِدُونِ الْإِثْبَاتِ فِي مَكَان آخَرَ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ دُونَ غَيْرِهِ لَا بَيَانُ مُجَرَّدِ تَحَقُّقِهِ فِي الْمَنْقُولِ فَالْقَصْرُ مُعْتَبَرٌ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ وَأَدَاةُ الْقَصْرِ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَيَتْلُوهُ نَحْوُ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَالْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ وَالْإِمَامُ مِنْ قُرَيْشٍ

[غَصَبَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ غَصَبَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَفِي الْعَيْنِيِّ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ وَلِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِوَصْفَيْنِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ وَإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدَيْنِ الْمُتَدَافَعَتَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَإِذَا ثَبَتَ الْيَدُ الْعَادِيَةُ لِلْغَاصِبِ انْتَفَتْ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ لِلْمَالِكِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْعَقَارَ الْمُودَعَ بِالْجُحُودِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَلَنَا أَنَّ الْغَاصِبَ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ وَإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالْعَقَارُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَأَقْصَى مَا يَكُونُ فِيهِ إخْرَاجُ الْمَالِكِ مِنْهُ وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَمَسَائِلُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَلْزَمُهُ.

وَلَئِنْ سَلِمَ فَالضَّمَانُ فِيمَا ذَكَرَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ غَصْبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ الْحُرِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ بَاعَ حُرًّا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ بَيْعِ الْحُرِّ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَفِي هَذَا سُؤَالِ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ لَفْظِ غَصَبَ وَعَدَمِ الضَّمَانِ مَعَ أَنَّ الْغَصْبَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ظَاهِرٌ وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَإِنَّمَا إتْلَافُهُ مُضَافٌ إلَى عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَفِي الْكَافِي وَلَوْ غَصَبَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بِأَنْ غَلَبَ السَّيْلُ عَلَيْهِ فَهَلَكَ تَحْتَ الْمَاءِ أَوْ غَصَبَ دَارًا فَهُدِمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سَيْلٍ فَذَهَبَ الْبِنَاءُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا يَضْمَنُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْيَنَابِيعِ، فَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُتْلِفِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ضَمَانِ الْغَاصِبِ وَالْمُتْلِفِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَسُكْنَاهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْكَافِي وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى غَصْبِ الْعَقَارِ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ إذَا بَاعَ دَارَ الرَّجُلِ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَهَا وَاعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا نَقَصَ بِسُكْنَاهُ وَزِرَاعَتِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْقُدُورِيُّ كَمَا إذَا انْهَدَمَتْ أَوْ ضَعُفَ الْبِنَاءُ كَمَا لَوْ عَمِلَ فِيهَا حَدَّادٌ فَانْهَدَمَتْ أَوْ ضَعُفَ الْبِنَاءُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ نَقَلَ تُرَابَهُ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْإِتْلَافِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ يَضْمَنُ بِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>