للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مِثْلُهُ إنْ هَلَكَ وَهُوَ مِثْلِيٌّ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ إنْ هَلَكَ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فَكَانَ أَعْدَلَ وَأَتَمَّ فَكَانَ إيجَابُهُ أَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْمِثْلِ فَشَمِلَ النَّاطِفَ الْمَبْذُورَ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِرُقُوم وَمَشَايِخُنَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ النَّاطِفَ الْمَبْذُورَ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى فَقَالُوا الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَمَنْ أَتْلَفَ عَلَى آخَرَ جُبْنَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجُبْنِ مَعَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ مَوْزُونٌ وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ الَّذِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَالْعَدَدُ الْمُتَقَارِبُ وَالْبَيْضُ وَالْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدِيِّ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ انْصَرَمَ الْمِثْلِيُّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) يَعْنِي إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ الثَّانِي يَوْمَ الْغَصْبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْقِيمَةُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَالْعَجْزُ فِي يَوْمِ الِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَلِلثَّانِي أَنَّ الْمِثْلَ لَمَّا انْقَطَعَ اُلْتُحِقَ بِالْقِيَمِيِّ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت وَلِمَ قَدَّمَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعْلِيلِ وَلَمْ يُوَسِّطْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ قُلْت لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمَذْرُوعُ وَالْحَيَوَانُ وَالْمَعْدُودَاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ وَالْوَزْنِيُّ الَّذِي يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ الْكَامِلُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ مَعْنًى وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَيَحْصُلُ بِهَا مِثْلُهُ وَاسْمُهَا يُنْبِئُ عَنْهُ وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ يَضْمَنُ مِثْلَهُ صُورَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنْت فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَأَتَى بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْهَا وَجَاءَتْ بِقَصْعَةٍ مِثْلِ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فِي يَدِهَا فَاسْتَحْسَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْهَا» الْحَدِيثَ.

وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي «عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ» وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَالْآيَةُ شَاهِدَةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمِثْلُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَفِعْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْوَاجِبِ إذْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ.

فَعَلَى هَذَا كَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يُغَيِّرَ الْعِبَارَةَ فَيَقُولَ وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَهُ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ اسْتَمَرَّتْ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً ثَمَنُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْقَدْرِ ضَمِنَ قِيمَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي السِّعْرِ لَا يَضْمَنُ وَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ أَوْ نُقْصَانِهَا أَوْ اسْتِمْرَارِهَا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَأَمَّا إذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَجَازَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْقَبْضِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ الْغَاصِبُ ضَمَّنَ عَاقِلَتَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْغَصْبِ زَائِدَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَتْلِ زَائِدَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ حَيَوَانًا سِوَى بَنِي آدَمَ فَقَتَلَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعِنْدَهُمَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ زَادَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ حَبَسَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>