للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْمُحِيطِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُسَعِّرُ السُّلْطَانُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْبَائِعِ وَكَانَ إلَيْهِ تَقْدِيرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا كَانَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ يَحْتَكِرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَتَعَدَّوْنَ فِي الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا وَعَجَزَ السُّلْطَانُ عَنْ مَنْعِهِ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ بِمُشَاوَرَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ فَتَعَدَّى وَبَاعَ بِثَمَنٍ فَوْقَهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِعُقُوبَةِ مَنْ بَاعَ فَوْقَ مَا سَعَّرَ بَلْ يَعِظَهُ وَيَزْجُرَهُ وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ وَهَدَّدَهُ وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ ثَالِثًا حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَنْهُ وَيَمْتَنِعَ الضَّرَرُ عَنْ النَّاسِ وَفِي الْعَتَّابِيِّ: وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ زَائِدٍ عَلَى مَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ فَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ وَإِذَا امْتَنَعَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ عَنْ بَيْعِهِ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهُمَا يَرَيَانِهِ.

امْتَنَعَ الْمُحْتَكِرُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ وَقِيلَ يَبِيعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ ضَرَرٌ عَامٌّ وَضَرَرٌ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ كَمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا امْتَنَعَ الْمُحْتَكِرُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ.

وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَخَافُ إذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ أَوْ نَقَصَ فِي الْبَيْعِ يَضُرُّ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ، وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ تَبِيعُنِي بِمَا تُحِبُّ وَلَوْ اصْطَلَحَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ رَجُلٌ خُبْزًا بِدِرْهَمٍ أَوْ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ، وَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ نَاقِصًا وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ إذَا عَرَفَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ دُونَ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ سِعْرَ الْخُبْزِ يَظْهَرُ عَادَةً فِي الْبُلْدَانِ وَسِعْرَ اللَّحْمِ لَا يَظْهَرُ إلَّا نَادِرًا فَيَكُونُ شَارِطًا فِي الْخُبْزِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا دُونَ اللَّحْمِ وَلَوْ خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَهُ فَإِذَا وَجَدُوهُ رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَجْرِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ.

[بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ خَمَّارٍ]

قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَازَ بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ خَمَّارٍ) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ إعَانَةً لَهُمْ وَتَسَبُّبًا وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعُدْوَانِ وَالْمَعْصِيَةِ وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ يَصْلُحُ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا جَائِزَةً شَرْعًا فَيَكُونُ الْفَسَادُ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَبَيْعُ الْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ لِلرِّجَالِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَلْبَسَهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى لُبْسِ الْحَرَامِ وَلَوْ أَنَّ إسْكَافِيًّا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِ أَوْ الْفَسَقَةِ، أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِجَارَةُ بَيْتٍ لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ يُبَاعَ فِيهِ خَمْرٌ بِالسَّوَادِ) يَعْنِي جَازَ إجَارَةُ الْبَيْتِ لِكَافِرٍ لِيُتَّخَذُ مَعْبَدًا أَوْ بَيْتَ نَارٍ لِلْمَجُوسِ أَوْ يُبَاعَ فِيهِ خَمْرٌ فِي السَّوَادِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا: يُكْرَهُ كُلُّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ وَلِهَذَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَقَطَعَ نِسْبَةَ ذَلِكَ إلَى الْمُؤَجِّرِ وَصَارَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ بَيْعِ الْغُلَامِ مِمَّنْ يَلُوطُ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ لِلسُّكْنَى جَازَ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عِبَادَتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالسَّوَادِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إظْهَارِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي الْأَمْصَارِ لِظُهُورِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُعَارَضُ بِظُهُورِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ قَالُوا فِي هَذَا سَوَادُ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فِيهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مُسْلِمٌ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إدْخَالِ الْخَمْرِ بَيْتَهُ وَلَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَفِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ الْمُسْلِمُ يَأْمُرُ جَارِيَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>