مُتَّصِلًا وَلَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَ الصَّغِيرِ أَوْ مَالَ نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلصَّغِيرِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ فِي الشِّرَاءِ غَبْنٌ فَاحِشٌ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ إذَا بَلَغَ وَفِي الْأَصْلِ الْحَمْلُ، فَإِنْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَقَعَ الشِّرَاءُ، فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مَاتَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَرِثَ الْحَمْلَ عَنْهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَحَمْلٍ وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ شَرَكَهُمْ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِنْ جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ.
وَفِي التَّتِمَّةِ وَإِذَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لَا يَصِحُّ وَالصَّغِيرُ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ وَفِي الْأَصْلِ إذَا اشْتَرَى الْأَبُ لِنَفْسِهِ دَارًا وَابْنُهُ الصَّغِيرُ شَفِيعُهَا فَلَمْ يَطْلُبْ الشَّفِيعُ لِلصَّغِيرِ حَتَّى بَلَغَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ لِلصَّغِيرِ أَمَّا الْوَصِيُّ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي شِرَاءِ الْأَبِ دَارًا وَابْنُهُ الصَّغِيرُ شَفِيعُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَوْ وَقَعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَكُونُ لِلصَّغِيرِ شُفْعَةً إذَا بَلَغَ، وَإِنْ وَقَعَ شِرَاءُ الْأَبِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَانَ لِلصَّغِيرِ الشُّفْعَةُ إذَا بَلَغَ. اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَكِيلِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْأَبِ يَعْنِي الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ مِنْهُ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِالْوَكِيلِ هَاهُنَا الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ أَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَتَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا سُكُوتُهُ إعْرَاضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِضِدِّ مَا أُمِرَ بِهِ فَصَارَ كَمَا وَكَّلَهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَأَبْرَأهُ مِنْهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا شِرَاءٌ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الشُّفْعَةَ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ هُوَ وَكِيلٌ مُطْلَقٌ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مُطْلَقًا وَالْإِمَامُ يَقُولُ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْخُصُومَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ. اهـ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ هَذِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]
مُنَاسَبَةُ الْقِسْمَةِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ نَتَائِجِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ لِمَا أَنَّ أَقْوَى أَسْبَابِ الشُّفْعَةِ الشَّرِكَةُ فَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَمَعَ عَدَمِ الْبَقَاءِ بَاعَ فَوَجَبَ عِنْدَهُ الشُّفْعَةُ وَقَدَّمَ الشُّفْعَةَ لِأَنَّ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلٌ وَهُنَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ شَرْعِيَّةِ الْقِسْمَةِ وَتَفْسِيرِهَا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَحُكْمِهَا وَسَبَبِهَا وَدَلِيلِهَا.
أَمَّا دَلِيلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] وقَوْله تَعَالَى {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥] وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَتَحَ خَيْبَرَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِسَامِ كَالْقُدْرَةِ لِلِاقْتِدَارِ وَالْأُسْوَةِ لِلِاتِّسَاءِ، وَأَمَّا شَرْعًا فَسَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ.
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِقْرَارُ، وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمَتَاعٌ لَا تَتَبَدَّلُ مَنْفَعَتُهُ بِالْقِسْمَةِ وَلَا يَفُوتُ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَتَعَيُّنُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ مِلْكًا وَانْتِفَاعًا، وَسَبَبُهَا طَلَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الِانْتِفَاعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَأَمَّا مَحَاسِنُهَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ سُوءُ الْخُلُقِ وَضِيقُ الْفِطَنِ وَقُوَّةُ الرَّأْسِ وَلَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا الرُّكُونَ إلَى الِاقْتِسَامِ، وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ) هَذَا مَعْنَاهُ شَرْعًا لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَكَانَ مَا يَقْبِضُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَشْتَمِلُ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمِثْلِيِّ فَيَأْخُذُ حَظَّهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَهِيَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَأْخُذُ) يَعْنِي: الْقِسْمَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْمُبَادَلَةِ، وَالتَّمْيِيزُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَالْمُبَادَلَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ حَتَّى لَا يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ ظَاهِرًا فِي الْمِثْلِيِّ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ حَقِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute