للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ اهـ

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ يَا كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا لِصُّ يَا فَاجِرُ يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا دَيُّوثُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا زِنْدِيقُ يَا قَرْطَبَانُ يَا مَأْوَى الزَّوَانِي أَوْ اللُّصُوصِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ عُزِّرَ) ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَدْ آذَاهُ وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا «تَعْزِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ» «وَحَبَسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي كَبِيرَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ مِنْ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَمَسٍّ مُحَرَّمٍ وَخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَأَكْلِ رِبًا ظَاهِرٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِسْكِينَةٌ أَخَذَتْ كِسْرَةَ خُبْزٍ مِنْ خَبَّازٍ فَضَرَبَهَا حَتَّى صَرَعَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُعَزَّرُ. اهـ.

وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَالَ أَحَدٍ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لِقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَلِكَوْنِهَا مِسْكِينَةً وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ بِالْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَمِنْهُ الْمُسْلِمُ إذَا بَاعَ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ، فَإِنْ بَاعَ فِي الْمِصْرِ بَعْدَ التَّقْدِيمِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ الضَّرْبُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّ التُّهْمَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَاحِدٌ مَسْتُورٌ وَفَاسِقٌ بِفَسَادِ شَخْصٍ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ حَبْسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورَيْنِ، فَإِنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا وَلَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ. اهـ.

وَتَقْدِيرُ مُدَّةِ الْحَبْسِ رَاجِعَةٌ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعَزَّرُ مَنْ شَهِدَ شُرْبَ الشَّارِبِينَ، وَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى شِبْهِ الشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبُوا وَمَنْ مَعَهُ رَكْوَةُ خَمْرٍ وَالْمُفْطِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ وَالْمُسْلِمُ يَأْكُلُ الرِّبَا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ وَكَذَا الْمُغَنِّي وَالْمُخَنَّثُ وَالنَّائِحَةُ يُعَزَّرُونَ وَيُحْبَسُونَ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً وَكَذَا مَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَذِبُ ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ يَا كَلْبُ. اهـ.

وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اقْتَصَرَ عَلَى مَسَائِلِ الشَّتْمِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ قَذْفًا مَجَازًا شَرْعِيًّا وَهُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ تَعَالَى {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ - دُحُورًا} [الصافات: ٨ - ٩] وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ رَمْيُهُنَّ بِالْفُجُورِ، وَالْقَذْفُ بِالْغَيْبِ الرَّجْمُ بِالظَّنِّ قَالَ تَعَالَى {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} [سبأ: ٥٣] وَقَذَفَ قَذْفًا كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَأُطْلِقَ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ بِالشَّتْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَعْجِزَ الْقَائِلُ عَنْ إثْبَاتِ مَا قَالَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لَهُ: يَا فَاسِقُ يَا فَاجِرُ يَا مُخَنَّثُ يَا لِصُّ وَالْمَقُولُ لَهُ فَاسِقٌ أَوْ فَاجِرٌ أَوْ لِصٌّ لَا يُعَزَّرُ ذَكَرَهُ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي أَخْبَارِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلْحَاقُ الشَّيْنِ بِهِ بَلْ الشَّيْنُ كَانَ مُلْحَقًا بِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّمَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهِ أَمَّا مَنْ عُلِمَ اتِّصَافُهُ، فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ فِسْقَهُ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: يَا زَانِي ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ إثْبَاتَ

ــ

[منحة الخالق]

يَا خَبِيثُ مَثَلًا فَرَدَّ عَلَيْهِ بِهِ فَيَحْصُلُ التَّكَافُؤُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ أَمَّا الضَّرْبُ فَلَا تَكَافُؤَ فِيهِ لِتَفَاوُتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

[قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ]

(قَوْلُهُ: وَيُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ) أَيْ إمَارَتَهَا إذْ لَا وُقُوفَ لَنَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحَبْسِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْمُدَّةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ إذْ قَدْ تَحْصُلُ فِيهَا التَّوْبَةُ، وَقَدْ لَا تَحْصُلُ وَلَا تَظْهَرُ أَمَارَاتُ الْحُصُولِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِمَا قُلْنَا أَوْلَى وَأَيْضًا التَّقْدِيرُ بِالْمُدَّةِ سَمَاعِيٌّ لَا دَخْلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ وَأَقَرَّهُ وَدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ ابْنُ وَهْبَانَ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ) وَقَعَ قَبْلَهُ فِي نُسْخَةٍ أَيْ فَاءَ وَفِي أُخْرَى أَيْ رَمَاهُ وَفِي أُخْرَى بِدُونِ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>