للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعْزِيرُ بِغَيْرِ الْمُنَاسِبِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرُوا التَّعْزِيرَ بِالْقَتْلِ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَسُئِلَ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ أَيَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ قَالَ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ الْقَتْلُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا وَفِي الْمُنْيَةِ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا. اهـ.

فَقَدْ أَفَادَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَحْرَمِ فَفِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَحِلُّ الْقَتْلُ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنْ عَدَمِ الِانْزِجَارِ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ وَفِي غَيْرِهَا يَحِلُّ مُطْلَقًا وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصْلُ فِي كُلِّ شَخْصٍ إذَا رَأَى مُسْلِمًا يَزْنِي أَنْ يَحِلَّ لَهُ قَتْلُهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ خَوْفًا أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ زَنَى وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْمُكَابَرَةُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَكْسِ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ بِأَدْنَى شَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ وَالْأَعْوِنَةُ وَالظَّلَمَةُ وَالسُّعَاةُ فَيُبَاحُ قَتْلُ الْكُلِّ وَيُثَابُ قَاتِلُهُمْ. اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَنْ يُقِيمُهُ قَالُوا لِكُلِّ مُسْلِمٍ إقَامَتُهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ رَأَى غَيْرَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ مُوجِبَةٍ لِلتَّعْزِيرِ فَعَزَّرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحْتَسِبِ فَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُعَزِّرَ الْمُعَزِّرَ إنْ عَزَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ: إنْ عَزَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَزَّرَهُ حَالَ كَوْنِهِ مَشْغُولًا بِالْفَاحِشَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَأْمُورٌ بِهِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ لَيْسَ بِنَهْيٍ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا مَضَى لَا يُتَصَوَّرُ فَيَتَمَخَّضُ تَعْزِيرًا وَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ. اهـ.

وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَ ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ التَّعْزِيرِ الَّذِي أَقَامَهُ بِنَفْسِهِ. اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى فَأَمَّا إقَامَةُ التَّعْزِيرِ فَقِيلَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ كَالْقِصَاصِ وَقِيلَ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ يُسْرِفُ فِيهِ غِلَظًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى حَيْثُ يَتَوَلَّى إقَامَتَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ

ــ

[منحة الخالق]

يَصْلُحُ بَيَانًا لِقَوْلِهِ وَكَذَا يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَصَارَ حَاصِلُ الْقَوْلِ بِالتَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْجِنَايَةِ وَإِلَى حَالِ الْجَانِي، فَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ صَغِيرَةً وَالْجَانِي ذَا مُرُوءَةٍ مِمَّنْ يَنْزَجِرُ بِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ كَبِيرَةً كَاللِّوَاطَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصْدُرُ مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مِنْ الْأَشْرَافِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْإِعْلَامِ وَمَا فِي الشَّافِي وَالنِّهَايَةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَحْوَ الْعُلَمَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُرَادُ بِهِمْ مَنْ جِنَايَتُهُ صَغِيرَةٌ صَدَرَتْ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الزَّلَّةِ وَالنُّدُورِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ يُضْرَبُ التَّعْزِيرَ، فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ تَكْرَارَ ذَلِكَ مِنْهُ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ ذَا مُرُوءَةٍ فَكَذَا مَا كَانَ مَعْصِيَةً شَنِيعَةً لَا تَصْدُرُ عَادَةً مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ وَالْمُرَادُ كَمَا فِي الْفَتْحِ بِالْمُرُوءَةِ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ أَفَادَ الْفَرْقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ نَصٌّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ وَخَصَّهَا لِتَعُمَّ الْأَجْنَبِيَّةَ بِالْأَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي حُدُودِ الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا إنْ كَانَ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَبِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ قَتْلُهُ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ حَلَّ قَتْلُهَا أَيْضًا وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ وَالْقَتْلَ يَلِيهِ غَيْرُ الْمُحْتَسِبِ اهـ.

وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّدَافُعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ نُكْرُ الْمَرْأَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ رَأَى رَجُلًا يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ أَوْ بِامْرَأَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الزِّنَا حَلَّ لِهَذَا الرَّجُلِ قَتْلُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي السَّرِقَةِ حَيْثُ قَالَ رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ أَوْ يَنْقُبُ حَائِطَهُ أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ قَتْلُهُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. اهـ.

وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَعَلَيْهِ جَرَى الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مُطْلَقًا لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقْيِيدِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَمِنْ هُنَا جَزَمَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي نَظْمِهِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْحَقُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ شَرَطَ فِي جَوَازِ قَتْلِ الزَّانِي أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا وَفِي السَّارِقِ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الطَّرَسُوسِيُّ وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ هَذَا الْمُنْكَرَ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ طَرِيقًا فِي إزَالَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْبَزَّازِيُّ

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ قَبْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مَحْمُولٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى أَنَّهُمَا حُكْمَاهُ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُدِّمَ أَنَّهُمَا إذَا تَشَاتَمَا تَكَافَأَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَرَاجِعْهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ حُدَّا فَاعْلَمْهُ. اهـ.

قُلْت مَحْمَلُ مَا مَرَّ عَلَى مَا إذَا قَالَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>