وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ النَّذْرِ بِالْمَالِ وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا تَدْخُلُ الدُّيُونُ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْوَصَايَا مَا يُفِيدُ دُخُولَ الدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَالًا بِالِاسْتِيفَاءِ فَتَنَاوَلَتْهُ الْوَصِيَّةُ خُصُوصًا قَالُوا إنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَهُوَ يَجْرِي فِيهِمَا وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ إنْ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهِيَ صَدَقَةٌ وَاشْتَرَى بِهَا يَحْنَثُ قَالَ إنْ بِعْت عَبْدًا لِي فَثَمَنُهُ صَدَقَةٌ صَحَّ نَذْرُهُ وَقَبْضُهُ شَرْطٌ فَإِنْ مَاتَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَقَطَ وَكَذَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ دُونَ غَيْرِهِ كَالزَّكَاةِ قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الْكُرَّ وَهَذِهِ الْمِائَةَ فَهُمَا صَدَقَةٌ وَبَاعَ يَتَصَدَّقُ بِالْكُرِّ دُونَ الدَّرَاهِمِ لِلتَّعَيُّنِ وَعَدَمِهِ وَبِمِثْلِهَا لَا نَظِيرِهِ إنْ نَكَحْتهمَا وَأَحَدُهُمَا مُحَرَّمَةٌ أَوْ اشْتَرَيْتهمَا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ قَالَتْ إنْ تَزَوَّجْت فَمَهْرِي صَدَقَةٌ صَحَّ فَإِنْ ارْتَدَّتْ أَوْ قُبِلَتْ سَقَطَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ وَعَلَى هَذَا الطَّلَاقُ وَفِيمَا يَتَخَيَّرُ تَتَصَدَّقُ بِمَا تَقْبِضُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافُهُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ مِلْكًا وَوِلَايَةً حَتَّى لَوْ بَاعَ الْجَدُّ مَالَ ابْنِ ابْنِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَوْتِهِ جَازَ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَا اسْتِخْلَافَ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ وَالْإِذْنُ لِلْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ كَالْوَكَالَةِ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ قَبْلَهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّارِحُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ فِرِشْتَا مِنْ الْمَأْذُونِ إنْ كَانَ الْإِذْنُ خَاصًّا بِأَنْ قَالَ أَذِنْت لِعَبْدِي فُلَانٍ وَلَمْ يُشْهِدْ بَيْنَ النَّاسِ فَعَلِمَ الْعَبْدُ بِهِ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِ مَأْذُونًا وَإِنْ كَانَ عَامًّا كَمَا إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَهْلِ السُّوقِ بَايِعُوا عَبْدِي فُلَانًا يَصِيرُ مَأْذُونًا قَبْلَ الْعِلْمِ اهـ.
وَمِثْلُ الْوَكَالَةِ الْأَمْرُ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى لَوْ طَلَّقْت نَفْسَهَا قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يَقَعُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ الطَّلَاقِ.
وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْوَكَالَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا وَعَنْ الثَّانِي خِلَافُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ وَاشْتَرَى مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمُ الْبَائِعُ الْوَكِيلَ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اذْهَبْ بِعَبْدِي إلَى زَيْدٍ فَقُلْ لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ بِوَكَالَتِهِ عَنِّي مِنْك فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَهُ هُوَ مِنْهُ فَالْمَذْكُورُ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَجَعَلَ مَعْرِفَةَ الْمُشْتَرِي كَمَعْرِفَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْمَأْذُونِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ بَايِعُوا عَبْدِي فَبَايَعُوهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَبْدُ يَصِحُّ وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ حَسَنٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْوِصَايَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ قَبُولًا وَإِلَّا فَلَهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَتَصَرَّفَ فَهُوَ وَصِيٌّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فَلَيْسَ بِوَصِيٍّ لِعَدَمِ الْقَبُولِ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْدَعَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ أَمَرْت فُلَانًا أَنْ يَقْبِضَ الْأَلْفَ الَّتِي هِيَ عِنْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فُلَانٌ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالْقَبْضِ وَمَعَ ذَلِكَ قَبَضَهُ بِدَفْعِ الْمَأْمُورِ لَهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ الْقَابِضِ وَالدَّافِعِ وَإِنْ سَلَّمَ الدَّافِعُ الْعَالِمُ بِالْإِذْنِ وَالْقَابِضُ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَتَلِفَ عِنْدَ الْقَابِضِ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ دَفَعَ بِالْإِذْنِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا بِالْأَمْرِ فَقَالَ الْمَأْمُورُ لِلْمُودَعِ ادْفَعْ إلَيَّ وَدِيعَةَ فُلَانٍ ادْفَعْهَا إلَى صَاحِبِهَا أَوْ قَالَ ادْفَعْهَا إلَيَّ تَكُونُ عِنْدِي لِفُلَانٍ فَدَفَعَ فَضَاعَتْ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ فَيَفْتَرِقَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَفِي أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُهَا وَفِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إلَّا الْعَقْلَ وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْمَصْلَحَةِ نَصَبَ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَلَوْ مَاتَ وَكِيلُ الْغَائِبِ لَا يَنْصِبُ غَيْرَهُ إلَّا عَنْ الْمَفْقُودِ لِلْحِفْظِ وَفِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُ الْوَصِيَّ بِخِيَانَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي فَنِّ الْفُرُوقِ ثُمَّ اعْلَمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِشَرْطِ الْقَبْضِ) أَيْ فَإِذَا قَبَضَ يَصِيرُ مَالًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوا أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ.
[أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ]
(قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ قَبُولًا) حَاصِلُهُ أَنَّ بَيْعَهُ وَنَحْوَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ قَبُولٌ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ عَازِيًا مَاتَ وَبَاعَ وَصِيَّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوِصَايَتِهِ وَمَوْتِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ وَلَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَفِي أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ إيصَاءَ الْقَاضِي يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ قَالَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ جَعَلْتُك وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ يَصِيرُ وَصِيًّا فَإِنْ خَصَّ شَيْئًا أَوْ قَالَ فِي كَذَا يَصِيرُ وَصِيًّا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إيصَاءَ الْقَاضِي يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِخِلَافِ إيصَاءِ الْمَيِّتِ اهـ.
وَهَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ فِي فَوَائِدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute