للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَحْوُ قَوْلُهُ مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ إنْ فَعَلْت كَذَا دَخَلَ الْمَالُ الْقَائِمُ عِنْدَ الْيَمِينِ وَالْحَادِثُ بَعْدَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ جَمِيعَ مِلْكِي فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ وَقْتَ الْحَلِفِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ أَنْ يُهْدِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَّا قَدْرَ قُوتِهِ فَإِذَا اسْتَفَادَ شَيْئًا آخَرَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَفِي حِيَلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ آخِرِهَا رَجُلٌ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَجَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَحْنَثَ يَبِيعُ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ يَقْبِضُهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الثَّوْبِ وَيَرُدُّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ أَنْ يَقُولَ يَتَصَدَّقُ بِمَالِ الزَّكَاةِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يَمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ قُوتِهِ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْرَ مَا يُمْسِكُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِيَالِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ التَّحْصِيلِ فَيُمْسِكُ أَهْلَ كُلِّ صَنْعَةٍ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ شَيْءٌ وَقَيَّدَ بِالْمَالِ وَالْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَيْءٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْأَمَانَةَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عَنْ نُصَيْرٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَذَا فِي مَآلِ الْفَتَاوَى مِنْ الْإِيمَانِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ وَأَجَازَهَا فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَالِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةُ كَالْوِرَاثَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ دَيْنِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى وَارِثٍ أَوْ وَصِيٍّ

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَ بِهِ الْمُوصَى لَهُ عَيْبًا فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ بِخِلَافِ الْوَارِثِ وَيَصِيرُ الْوَارِثُ مَغْرُورًا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَالْمُورِثِ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ اهـ.

وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الشَّارِحِينَ بَيَّنَهُ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَرَادَ بِالْخِلَافَةِ أَنَّ مِلْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخِلَافَةِ مَا فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ بَيَانِ أَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ خِلَافَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مَا بَاعَ الْمَيِّتُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ وَقَدَّمْنَا تَعْرِيفَ الْمَالِ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ثُلُثُ مَالِي لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِفُلَانٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثَيْ لِفُلَانٍ أَوْ سُدُسَيْ فَهُوَ وَصِيَّةٌ جَائِزَةٌ وَقَيَّدَ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي وَقْفٌ وَلَمْ يَزِدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْوَصَايَا إنَّ مَالَهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ وَإِنْ ضَيَاعًا صَارَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِلَّهِ تَعَالَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْصَرِفُ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لِلْغَزْوِ فَإِنْ أَعْطَوْهُ حَاجًّا مُنْقَطِعًا جَازَ وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ صَرَفَ إلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ اهـ.

وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ قَالُوا إنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَحْنَثْ

ــ

[منحة الخالق]

الْأَبْيَارِيُّ مَا نَصُّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ دَخَلَ الْمَالُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْيَمِينِ وَالْحَادِثُ بَعْدَهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ يُعْلَمُ مِنْهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحَلِفِ اهـ.

وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَا فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرَاهُ وَيَرْضَى بِهِ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ إلَخْ) مَا ظَهَرَ لَهُ سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ كَهِيَ أَيْ كَالْوِرَاثَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ) أَقُولُ: فِي وَصَايَا الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَرَجَّحَ الدُّخُولَ حَيْثُ قَالَ وَفِي ثُلُثِ مَالِي يَدْخُلُ الدَّيْنُ أَجْدَرُ قَالَ شَارِحُهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْقُنْيَةِ رَمَزَ لِبُرْهَانَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَقَالَ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَا يَدْخُلُ الدَّيْنُ ثُمَّ رَمَزَ لِلْأَصْلِ وَقَالَ يَدْخُلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي حِفْظِي مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رِوَايَةُ دُخُولِ الدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِدُخُولِهَا أَنْ يَدْخُلَ ثُلُثُهَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَا يَسْقُطُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ اهـ.

وَفِي وَصَايَا الْكَنْزِ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَثُلُثُ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لَهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الْأَلْفُ وَهَذِهِ غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ حِفْظِ ابْنِ وَهْبَانَ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَرَأَيْت فِي وَصَايَا الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَيْنٌ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ دَيْنٌ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ أَلَا تَرَى إنْ حَلَفَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَحْنَثْ ثُمَّ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ أُخِذَ مِنْهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّيْنُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْخَارِجُ مَالًا الْتَحَقَ بِمَا كَانَ عَيْنًا فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يُقَالُ لَمَّا لِمَ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَيَّنَ كَيْفَ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِيهِ إذَا تَعَيَّنَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِثْلُ هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَمَتَى انْقَلَبَ مَالًا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِيهِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِهَذَا فَتَدَبَّرْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>