للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِسْقِهِ ضِمْنًا لِمَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَجَرْحِ الشُّهُودِ إذَا قَالَ رَشَوْته بِكَذَا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَذَا هَذِهِ. اهـ.

وَهَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى فِسْقِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوهُ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنُوهُ بِمَا يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْعَبْدِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ فَلَمَّا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّهُ رَآهُ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ خَلَا بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَسُقُوطِ التَّعْزِيرِ عَنْ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّعْزِيرُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَصُّ بِالْحَدِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ التَّعْزِيرِ وَكَذَلِكَ يَجْرِي هَذَا فِي جَرْحِ الشَّاهِدِ بِمِثْلِهِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاتِمَ عَنْ سَبَبِ فِسْقِهِ، فَإِنْ يُبَيِّنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا طَلَبَ مِنْهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ أَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يَطْلُبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا.

فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ تَرْكَ الِاشْتِغَالِ بِالْفِقْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلِ الشَّتْمِ عَلَى النِّدَاءِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ كَذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ فَاسِقٌ أَوْ فُلَانٌ فَاسِقٌ وَنَحْوَهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لَهُ يَا مُنَافِقُ أَوْ أَنْت مُنَافِقٌ يُعَزَّرُ. اهـ.

وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عِنْدَ الْقَاضِي سَرِقَةً وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا لَا يُعَزَّرُ بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إثْبَاتُ الْمَالِ لَا نِسْبَتُهُ إلَى السَّرِقَةِ بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا وَإِنْ قَصَدَ إقَامَةَ الْحِسْبَةِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا فَكَانَ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَى الزِّنَا وَفِي الْمَالِ يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ نِسْبَتِهِ إلَى السَّرِقَةِ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَى السَّرِقَةِ. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ زَنَيْت فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ زَنَى أُحْلِفَ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا زَنَيْت، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَوَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ الْحَدُّ لِلْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا. اهـ.

وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى شَخْصٍ بِدَعْوَى تُوجِبُ تَكْفِيرَهُ وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ أَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ أَوْ الِانْتِقَاصِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ. اهـ.

وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ فِي قَوْلِهِ أَوْ مُسْلِمًا فِي مَسَائِلِ الشَّتْمِ اتِّفَاقًا إذْ لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْلَالِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ. اهـ.

وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَزَّرَ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ، وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّتْمِ يَا كَافِرُ يَا مُنَافِقُ وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ مِنْهُ يَا يَهُودِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّاتِمَ لَا يَكْفُرُ بِهِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ كَفَرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَيَا رَافِضِيُّ بِمَنْزِلَةِ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُبْتَدِعُ فَيُعَزَّرُ؛ لِأَنَّ الرَّافِضِيَّ كَافِرٌ إنْ كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ وَمُبْتَدِعٌ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ سَبٍّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفَادَ بِعَطْفِهِ يَا فَاجِرُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا إلَخْ) قُلْت قَدْ ذَكَرُوا فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى شُهُودِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ رِبًا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَخْ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إقْرَارَهُمْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ

(قَوْلُهُ: هَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْإِشَارَةُ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ جَمِيعِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مُشْكِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَالزِّنَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ وَكُنْ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَتَبِعَهُ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَشَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَلَامُ الْقُنْيَةِ خَاصٌّ بِذِكْرِ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِغَيْرِهِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ يَلْحَقُ مَا عَدَا السَّرِقَةَ بِالزِّنَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالزِّنَا وَأَقُولُ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ يَقْتَضِي عَكْسَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمَالُ حَيْثُ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِدُونِ نِسْبَتِهِ لِلسَّرِقَةِ يَصِيرُ بِدَعْوَاهَا ظَاهِرًا قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهَا وَإِلَّا لَعَدَلَ عَنْهَا إلَى دَعْوَى الْمَالِ بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ طَرِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهِ ظَاهِرًا تَأَمَّلْ. اهـ.

وَقَدْ خَطَرَ لِي هَذَا قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ وُرُودُ النَّصِّ فِي الزِّنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُجْلَدُ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَزَّرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَسَيَأْتِي مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ. اهـ.

قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ فِي يَا فَاسِقُ فَتَأَمَّلْ. اهـ.

أَيْ مِنْ أَنَّهُ أَلْحَقَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ إلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ لَكِنَّا الْتَزَمْنَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَهُ أَنْ لَا نُؤْذِيَهُ. اهـ.

قُلْت وَيُؤَيِّدُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ قَوْلُ الْفَتْحِ الْمَارِّ آنِفًا لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>