للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى يَا فَاسِقُ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا.

وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَقَامَ مُدَّعِي الشَّتْمِ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاجِرُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ.

وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ يَا لُوطِيُّ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ وَأَنَّهُ يُعَزَّرُ مُطْلَقًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيلَ فِي يَا لُوطِيُّ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ قُلْت أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ بِالْهَزْلِ وَالْقَبِيحِ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّيُّوثَ وَالْقَرْطَبَانَ فَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الدَّيُّوثُ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَالْقَرْطَبَانُ نَعْتُ سَوْءٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ عَنْ اللَّيْثِ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ أَرَ الْبَوَادِيَ لَفَظُوا بِهِ وَلَا عَرَفُوهُ وَمِنْهُ مَا فِي قَذْفِ الْأَجْنَاسِ كَشَحَّاتٍ اهـ.

وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْقَرْطَبَانَ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا فَيَدَعَهُ خَالِيًا بِهَا وَقِيلَ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ. اهـ.

وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ بِلَفْظِ مُعَرِّصٍ؛ لِأَنَّهُ الدَّيُّوثُ فِي عُرْفِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا شَتَمَ أَصْلَهُ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِطَلَبِ الْوَلَدِ كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ يَا ابْنَ الْكَافِرِ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا قَحْبَةُ يُعَزَّرُ وَلَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ بِخِلَافِ يَا رُوسْبِيُّ، فَإِنَّهُ قَذْفٌ يُحَدُّ بِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رُوسْبِيَّ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا بِخِلَافِ الْقَحْبَةِ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّانِيَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْقَحْبَةُ الزَّانِيَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُحَابُ وَهُوَ السُّعَالُ وَكَانَتْ الزَّانِيَةُ فِي الْعَرَبِ إذَا مَرَّ بِهَا رَجُلٌ سَعَلَتْ لِيَقْضِيَ مِنْهَا وَطَرَهُ فَسُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ قَحْبَةً لِهَذَا. اهـ.

وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَمِنْهَا يَا خَائِنُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْهَا يَا سَفِيهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى لِلْإِنْسَانِ فِيمَا إذَا قِيلَ لَهُ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَلَوْ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيُؤَدِّبَهُ يَجُوزُ وَلَوْ أَجَابَ مَعَ هَذَا فَقَالَ بَلْ أَنْتَ لَا بَأْسَ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا وَعَنْ الشَّيْخِ الْجَلِيلِ الْمُتَكَلِّمِ أَنَّ مَنْ شَتَمَ غَيْرَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَالذَّهَابُ إلَيْهِ فِي الِاسْتِحْلَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِرْسَالِ إلَيْهِ. اهـ.

وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ الْمَأْثَمُ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ أَوْ الْإِرْسَالِ سَوَاءٌ حَالَلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْإِثْمُ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْإِبْرَاءُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ وَإِنَّمَا فِي قُدْرَتِهِ طَلَبُ الْمُحَالَلَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا قَحْبَةُ إلَخْ) قَالَ شَارِحُ الْوِقَايَةِ قِيلَ الْقَحْبَةُ تَكُونُ هِمَّتُهُ الزِّنَا فَلَا يُحَدُّ أَقُولُ: الْقَحْبَةُ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا أَوْ تَأْنَفُ مِنْهُ وَالْقَحْبَةُ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ. اهـ.

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ الْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ يَعْنِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ لِمَنْ قَذَفَ بِهَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الظَّهِيرِيَّةِ الْقَحْبَةُ الزَّانِيَةُ وَالْإِنْصَافُ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ فِي دِيَارِنَا إذْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ أَحَدٌ إلَّا فِي الزَّانِيَةِ سِيَّمَا حَالَةُ الْغَضَبِ فَكَأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِي لَا يَخْلُو مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى اهـ.

قُلْت: وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مُنْلَا خُسْرو فِي شَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُمَّ لَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا قَذَفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهِ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ اقْتِضَاءً كَمَا إذَا قَالَ: لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ يَا ابْنَ فُلَانٍ أَبِيهِ فِي الْغَضَبِ كَمَا مَرَّ وَلَفْظُ الْقَحْبَةِ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنَى الزَّانِيَةِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بَعْدَ وَضْعِهِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا مَرَّ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِضَاءٌ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِشِهْبَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةٌ لَهُ إلَى الزِّنَا اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَكِنَّهُ بَعْدَ مَوْضِعِ تَأَمُّلٍ. اهـ.

كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَكَانَ وَجْهُ التَّأَمُّلِ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً صَارَ مَدْلُولُهُ الزِّنَا حَقِيقَةً بِالْوَضْعِ الْحَادِثِ وَدَلَالَةُ الْوَضْعِ أَبْلَغُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ لَفْظٌ صَرِيحٌ بِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ كَالْفَارِسِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَقُدِّمَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي مَعْرِضِ الْعُرْفِ وَقَالَ فِي الشرنبلالية نُقِلَ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَمِنْ الْمُضْمَرَاتِ. اهـ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْقَحْبَةِ وَابْنِ الْقَحْبَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ يَا زَانٍ وَعَكَسَ حُدَّا حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ لَهُ: يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ بَلْ أَنْتَ تَكَافَآ وَلَا يُعَزِّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَخَالَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا بِأَنْ أَجَابَهُ بِيَا فَاسِقُ مَثَلًا تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>