للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِبْرَاءِ، وَقَدْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ التَّعْزِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْإِبْرَاءُ وَالْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ سَبَّهُ يَحْلِفُ وَيُقْضَى بِالنُّكُولِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحَقُّ الْعَبْدِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا شَاهِدًا إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ.

فَإِنْ قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي فِيهَا مِنْ إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ مَا قُلْت مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُنَاقَصَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ فَقَدْ حَصَلَ تَعْزِيرُهُ بِالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْزِيرِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ يَعْنِي بِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ حِينَئِذٍ بِالضَّرْبِ وَيُمْكِنُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ مِنْ الشَّتْمِ وَهُوَ مِمَّنْ تَعْزِيرُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتُمُ النَّاسَ إنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وُعِظَ وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ حُبِسَ وَإِنْ كَانَ سِبَابًا ضُرِبَ وَحُبِسَ يَعْنِي الَّذِي دُونَ ذَلِكَ وَالْمُرُوءَةُ عِنْدِي فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ. اهـ.

مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا زِنْدِيقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت هَذَا لَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي ذِكْرَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِحْلَالِ وَفِي الْقُنْيَةِ التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ وَإِقَامَةُ التَّعْزِيرِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْعَفْوُ إلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ الْعَفْوَ ثَابِتٌ لِلَّذِي جَنَى عَلَيْهِ لَا لِلْإِمَامِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ إلَى الْإِمَامِ فَذَاكَ فِي التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَشْرُوعٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى إنْسَانٍ وَمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ. اهـ.

مَا فِي الْقُنْيَةِ فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ لِلْإِمَامِ جَائِزٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

(قَوْلُهُ وَبِيَا كَلْبُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ حَصَرَتْ التَّعْزِيرَ بِحَقِّ الْعَبْدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهَا بِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ التَّعْزِيرِ وَقَوْلُهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ التَّعْزِيرُ قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَدْخُلُ فِيهِ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ يَكُونُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِالشَّتْمِ أَوْ الضَّرْبِ مَعْصِيَةٌ وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ وَهُوَ أَيْ التَّعْزِيرُ لَهُ حَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فِيهِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ كَتَعْزِيرِ الصَّبِيِّ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ حَمْلَ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنٌ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَلَا يُنَاقِضُ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ جَرَّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى وَتَعْزِيرَهُ لَهُ لِكَوْنِهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَذَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ حَقَّ آدَمِيٍّ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَلَا مُنَاقَضَةَ إلَخْ) أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ أَيْ ذَا دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ كَمَا يَأْتِي لَا يَصْدُرُ مِنْهُ مُوجِبُ التَّعْزِيرِ غَالِبًا إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ أَوْ الْغَفْلَةِ نَادِرًا وَلِذَا لَوْ عَادَ يُعَزَّرُ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارَ فَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ ذِي الْمُرُوءَةِ فَلِذَا قَالُوا: إنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ بَلْ يُوعَظُ فَلَعَلَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ اسْتِثْنَاءُ مَا إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ انْزِجَارَ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت إلَخْ) أَيْ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِيمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ (قَوْلُهُ: فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ لِلْإِمَامِ جَائِزٌ) قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ شَرْعِيَّةِ التَّعْزِيرِ هُوَ الِانْزِجَارُ فَعَفْوُ الْإِمَامِ عَنْهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَقْصُودِ فَلَا يَجُوزُ فَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُ الْعَفْوَ إذَا رَأَى حُصُولَ الِانْزِجَارِ بِدُونِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّاتِمُ ذَا مُرُوءَةٍ وَعَظَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ لِحُصُولِ الِانْزِجَارِ مِنْ ذِي الْمُرُوءَةِ فَهَذَا فِي الشَّتْمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ عَبْدٍ وَاكْتَفَى فِيهِ بِالْوَعْظِ فَكَيْفَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ مَا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ بَعْدَ مُجَانَبَةِ هَوَى نَفْسِهِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ كَالْحَدِّ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ بِدُونِهِ لَا يَجِبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>