يَا تَيْسُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا حَجَّامُ يَا بَغَّاءُ يَا مُؤَاجِرُ يَا وَلَدَ الْحَرَامِ يَا عَيَّارُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ يَا سُخْرَةُ وَيَا ضُحْكَةُ يَا كَشْخَانُ يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوِسُ لَا) أَيْ لَا يُعَزَّرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمَّا عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِي يَا كَلْبُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا تَيْسُ يَا ذِئْبُ يَا قِرْدُ فَلِظُهُورِ كَذِبِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ سَبٍّ عَادَ شَيْنُهُ إلَى السَّابِّ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ الشَّيْنُ فِيهِ إلَى الْمَسْبُوبِ عُزِّرَ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ مَا أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِنَفْيِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُذْكَرُ لِلشَّتِيمَةِ فِي عُرْفِنَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي يَا كَلْبُ لَا يُعَزَّرُ قَالَ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ شَتِيمَةٌ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ قَطْعًا. اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّهُ شَتِيمَةً وَلِهَذَا يُسَمُّونَ بِكَلْبٍ وَذِئْبٍ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ عَنْ أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ فِي يَا خِنْزِيرُ يَا حِمَارُ يُعَزَّرُ ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يُعَزَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ اسْتَحْسَنَ التَّعْزِيرَ إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ وَسَوَّى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَيْنَ قَوْلِهِ يَا حَجَّامُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي عَدَمِ التَّعْزِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّبْيِينِ فَأَوْجَبَ التَّعْزِيرَ فِي يَا ابْنَ الْحَجَّامِ دُونَ يَا حَجَّامُ كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ لِمَوْتِ أَبِيهِ فَالسَّامِعُونَ لَا يَعْلَمُونَ كَذِبَهُ فَلَحِقَهُ الشَّيْنُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهُ يَا حَجَّامُ؛ لِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ صَنْعَتَهُ.
وَأَمَّا بَغَّا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَهُوَ الْمَأْبُونُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَيُقَالُ بَاغًّا وَكَأَنَّهُ اُنْتُزِعَ مِنْ الْبِغَاءِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّعْزِيرُ فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِيهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى وَهُوَ بِمَعْنَى يَا مَعْفُوجُ وَهُوَ الْمَأْتِيُّ فِي الدُّبُرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ بَلْ هُوَ أَقْوَى إيذَاءً؛ لِأَنَّ الِابْنَةَ فِي الْعُرْفِ عَيْبٌ شَدِيدٌ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ أَنْ يُؤْتَى فِي دُبُرِهِ بِسَبَبِ دُودَةٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْمُؤَاجِرُ، فَإِنْ كَانَ بِكَسْرِ الْجِيمِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ لِلشَّيْءِ وَلَا عَيْبَ فِيهِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ وَإِنْ كَانَ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْمُؤَجَّرِ بِالْفَتْحِ يُقَالُ آجَرَهُ الْمَمْلُوكَ فَاسْمُ الْمَفْعُولِ مُؤَجَّرٌ وَمُؤَاجَرٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ فَقَدْ نَسَبَهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ اسْتَأْجَرَهُ وَلَا عَيْبَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا وَلَدُ الْحَرَامِ فَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى يَا وَلَدَ الزِّنَا وَلَمْ يَجِبْ الْقَذْفُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَقَدْ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ، وَقَدْ أَبْدَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِيَا وَلَدَ الْحِمَارِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ
وَأَمَّا الْعَيَّارُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ فَهُوَ كَثِيرُ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ الْعَيَّارُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يُخَلِّي نَفْسَهُ وَهَوَاهَا لَا يَرْدَعُهَا وَلَا يَزْجُرُهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِلَا عَمَلٍ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ عَائِرٌ وَعَيَّارٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْإِنْسَانِ ظَاهِرًا مِنْ التَّرَدُّدِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ لَمْ يَلْحَقْ الشَّيْنُ بِهِ فَلِذَا لَمْ يُعَزَّرْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ فَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مِنْ بَابِ فَعِلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ النَّكِسُ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ وَمِنْ بَابِ فَعَلَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: ثَلَاثُ مَذَاهِبَ) الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالثَّانِي مُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالثَّالِثُ مَا يَأْتِي عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ.
(قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَعْزِيرِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَوْتِ أَبِيهِ اهـ.
قُلْت وَالظَّاهِرُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ فِيهِ نِسْبَةٌ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَكَانَ الْقِيَاسُ لُزُومَ الْحَدِّ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْخِسَّةُ وَالدَّنَاءَةُ، فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ يَبْقَى التَّعْزِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ أَوْ لِهَاشِمِيٍّ لَسْت بِهَاشِمِيٍّ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي التَّبْيِينِ هَكَذَا وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ.
فَقَوْلُهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُسْتَاقِيٍّ وَلَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَلَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ (قَوْلُهُ: يَا مَعْفُوجُ إلَخْ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ عَفَجَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي الدُّبُرِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَفِي الْقَامُوسِ عَفَجَ يَعْفِجُ ضَرَبَ وَجَارِيَتَهُ جَامَعَهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ يَا مَعْفُوجُ وَقَوْلُهُ بَلْ هُوَ أَقْوَى إيذَاءً أَيْ لَفْظُ بَغَّا بِمَعْنَى الْمَأْبُونِ قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَفِي تَجْنِيسِ النَّاصِرِيِّ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ لَوْ قَالَ يَا بَغَّا يَا مُؤَاجِرُ يَا جِيفَةُ فِي عُرْفِنَا فِيهِ التَّعْزِيرُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَا نَاكِسُ إلَخْ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى نَاكِسٌ وَمَنْكُوسٌ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute