لِلنَّاظِرِ وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «يُجْزِئُ مِنْ السَّتْرِ قَدْرُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» وَلِهَذَا جُعِلَ بَيَانُ الْغِلَظِ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلًا ضَعِيفًا وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَرْضِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
السَّابِعُ أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ غَرْزُهَا إنْ أَمْكَنَ. الثَّامِنُ أَنَّ فِي اسْتِنَانِ وَضْعِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ غَرْزِهَا اخْتِلَافًا فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْإِلْقَاءِ وَعَزَاهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ وَقِيلَ يُسَنُّ الْإِلْقَاءُ وَنَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قِيلَ يَضَعُهُ طُولًا لَا عَرْضًا لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. التَّاسِعُ أَنَّ السُّنَّةَ الْقُرْبُ مِنْهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. الْعَاشِرُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى أَحَدِ حَاجِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى عُودٍ أَوْ شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ صَمْدًا» أَيْ لَا يُقَابِلُهُ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا بَلْ كَانَ يَمِيلُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ تُجْزِئُ عَنْ أَصْحَابِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُتْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ هَلْ هِيَ بِنَفْسِهَا سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ وَلَهُ أَوْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً وَهُوَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا الْأَوَّلُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ. الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ وَرَاءَ السُّتْرَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ مُرُورِهِ وَرَاءَ السُّتْرَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَّخِذُهُ سُتْرَةً فَهَلْ يَنُوبُ الْخَطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَنَابَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ الْأُولَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَمَشَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالثَّانِيَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَخُطُّ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ وَتُعُقِّبَ بِتَصْحِيحِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ. الرَّابِعَ عَشَرَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَرْضًا مِثْلَ الْهِلَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَخُطُّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طُولًا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِيَصِيرَ شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ. الْخَامِسَ عَشَرَ دَرْءُ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالُوا وَيَدْرَؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ وَهُوَ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ بِالرَّأْسِ أَوْ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالتَّسْبِيحِ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ مِنْهَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يُصَفِّقْنَ لِلْحَدِيثِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ مِنْ الْيُسْرَى وَلِأَنَّ فِي صَوْتِهِنَّ فِتْنَةً فَكُرِهَ لَهُنَّ التَّسْبِيحُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ تَرْكَ الدَّرْءِ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّ الدَّرْءَ رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَدْرَأَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَا رَوَاهُ الْمَاتُرِيدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمْرُ بِالدَّرْءِ فِي الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ كَالْأَمْرِ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْنَى الْمُقَاتَلَةِ الدَّفْعُ الْعَنِيفُ. السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِأَنَّ اتِّخَاذَ السُّتْرَةِ لِلْحِجَابِ عَنْ الْمَارِّ وَلَا حَاجَةَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَارِّ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي طَرِيقِ الْحِجَازِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْجَهْرِيَّةَ الْعِلْمُ حَاصِلٌ بِهَا اهـ
وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دَرْءِ الْمَارِّ مَنْعُهُ عَنْ الْمُرُورِ لَا إعْلَامُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَ عِلْمِ الْمَارِّ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ رَفْعُ الصَّوْتِ زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ يَجْهَرُ بِهِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّرْءِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا السِّرِّيَّةِ فَفِي الْجَهْرِ بِهَا تَرْكُ الْإِسْرَارِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِهَذَا الْقَصْدِ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ بِالْيَدِ وَغَيْرِهَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجِيِّ نَعَمْ لَوْ قِيلَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَقَطْ لِلْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عَلَى مَا مَرَّ لَأَمْكَنَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
أَيْ لِوُجُوبِ الْجَهْرِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْجَهْرَ عَلَى أَصْلِهِ فَخَصَّهُ بِالْمُنْفَرِدِ أَيْ إذَا كَانَ يُسِرُّ لِجَوَازِهِ لَهُ دُونَ الْإِمَامِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَةُ الرَّفْعِ بِالْجَهْرِ فَيَعُمُّ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ إذَا كَانَا يَجْهَرَانِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ إبْقَاءُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ