كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَيْهَا فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ عَنْ تَرَائِيِ الْأَهِلَّةِ فَانْتَفَى قَوْلُهُمْ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ فَكَانَ التَّفَرُّدُ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي الْغَلَطِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ أَنَّ أَهْلَ مِصْرٍ افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ صَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَصُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ بِسَبَبِ أَنَّ جَمْعًا قَلِيلًا شَهِدُوا وَعِنْدَنَا قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنَفِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَلَمْ يَقْبَلْهُمْ فَصَامُوا وَتَبِعَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَى الصَّوْمِ، وَأَمَرُوا النَّاسَ بِالْفِطْرِ وَهَكَذَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ الشَّافِعِيَّةِ صَلَّى الْعِيدَ بِجَمَاعَةٍ دُونَ غَالِبِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِشَيْءٍ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسَمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ
وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفَوَّضُ مِقْدَارُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى رَأْي الْإِمَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ اهـ.
فَظَاهِرُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لَا يَشْتَرِطُ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْعَدَدَ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى اثْنَيْنِ فَكَانَ مُرَجِّحًا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ الَّتِي اخْتَرْنَاهَا آنِفًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ، وَهُوَ الْعَدَالَةُ وَالْإِسْلَامُ وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فَرَجَحَ مَا يُوجِبُ الْقَبُولُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَامَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ كَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ فَرَجَحَ جَانِبُ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جَائِزٌ بِعُذْرٍ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ
وَصَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَكَانَ الْمَصِيرُ إلَى مَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ أَوْلَى ثُمَّ إذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَاحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِعَدَدِ الْقَسَامَةِ، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ شَرَطَ الْوَفَاءَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا اسْتَقَلَّهُ فَهُوَ قَلِيلٌ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا جَاءَ مِنْ مَكَان آخَرَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا ثِقَةً؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ فِي الرُّؤْيَةِ فِي الصَّحَارِيِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِي الْأَمْصَارِ لِمَا فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْغُبَارِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، وَهِلَالُ الْفِطْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَيْهَا) عَلَيْهِ أَقَرَّهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَتِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ وَالشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: إنَّهُ حَسَنٌ وَنَازَعَهُ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَمَعَ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ غَلَبَةُ الْفِسْقِ وَعَدَمُ الْعَدَالَةِ فِي أَكْثَرِ الْخَلْقِ فَلَا يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ إلَّا بِالْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَقَدْ رَأَيْت مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ مَا لَا يُوصَفُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ اطْمِئْنَانِ الْفُؤَادِ، وَلِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَنَا كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ الْمُشَاهَدُ الِاهْتِمَامُ مِنْهُمْ وَالِاجْتِهَادُ وَالنَّشَاطُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَكَاسُلِ الْبَعْضِ الْقَلِيلِ تَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت: كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا فِي زَمَانِهِ وَبَلَدِهِ، وَإِلَّا فَحَالُ أَهْلِ زَمَانِنَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُشَاهِدِ، وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْكُلِّيَّةِ لَفَعَلُوا وَكَثِيرًا مَا نَرَاهُمْ يَشْتُمُونَ الشَّاهِدَ وَيَغْتَابُونَهُ لِسَعْيِهِ فِي مَنْعِهِمْ عَنْ شَهَوَاتِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَانِنَا سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَحَصَلَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ مِنْ النَّاسِ غَايَةُ الْإِيذَاءِ وَالْإِيجَاعِ بِالْكَلَامِ حَتَّى اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ أَنَّهُمْ صَامُوا مِثْلَنَا وَشَهِدَ جَمَاعَةٌ لَدَى الْقَاضِي عَلَى حُكْمِ قَاضِي ثَغْرِ بَيْرُوتَ فَاكْتَفَّ النَّاسُ عَنْهُ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَشْهَدَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَخُصُوصًا فِي بَلْدَتِنَا دِمَشْقَ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يُرَى الْهِلَالُ فِيهَا فِي لَيْلَتِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَنِي غَيْرَ مَرَّةٍ قَضَاؤُنَا يَوْمًا أَفْطَرْنَاهُ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ عَوَّلَ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ
(قَوْلُهُ: فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قَدْرَهُ بَعْدَ الْقَاسِمَةِ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ إلَخْ، وَفِيهَا عَنْ الْحَجَّةِ، وَلَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ شَاهِدِينَ عَدْلَيْنِ، وَقَدْ سَقَطَ قَلْبُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِمَا جَازَ وَثَبَتَ حُكْمُ رَمَضَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute