؛ لِأَنَّ الظُّرُوفَ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ تَقْدِيمَ النَّفْيِ فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكَلُّمُ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَعًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ: وَرِوَايَةُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ مَعَ التَّكْبِيرِ نَصٌّ مُحْكَمٌ فِي الْمُقَارَنَةِ، وَرِوَايَةُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَعَكْسُهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْقُرْآنِ كَالتَّرْتِيبِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْقُرْآنِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ رَاجِحٌ عَلَى الْمُحْتَمِلِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ، (ثُمَّ) مَوْضُوعَةٌ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي وَاسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ مَجَازٌ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي مَعْنَاهَا كَمَا أَنَّ (مَعَ) ظَاهِرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَتَكُونُ بِمَعْنَى بَعْدُ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٦] وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فَلَيْسَتْ مُحْكَمَةً كَمَا تَوَهَّمَهُ فَالْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ ثَابِتَةٌ فَالتَّرْجِيحُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا بِمَا ذَكَرَهُ، وَأَمَّا التَّشْبِيهُ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فَهِيَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ لَا الْقِيَاسِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالتَّهْلِيلِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ صَحَّ) شُرُوعٌ فِي الْمُرَادِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا كُلُّ لَفْظٍ هُوَ ثَنَاءٌ خَالِصٌ دَالٌ عَلَى التَّعْظِيمِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَّا بِأَلْفَاظٍ مُشْتَقَّةٍ مِنْ التَّكْبِيرِ وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ اللَّهُ الْكَبِيرُ اللَّهُ كَبِيرٌ اللَّهُ الْكِبَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ بِهِ لِلْحَدِيثِ «وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ لُغَةً: التَّعْظِيمُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةٌ لَهُ خُصُوصًا اللَّهُ أَعْظَمُ فَكَانَتْ تَكْبِيرًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ الْمَعْرُوفِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَالرَّحْمَنُ أَكْبَرُ سَوَاءٌ قَوْله تَعَالَى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠] ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ أَوْ بِاسْمِ الرَّحِيمِ فَكَذَا هَذَا، ثُمَّ غَايَةُ مَا هُنَا أَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُكْرَهَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ لِمَنْ يُحْسِنُهُ كَمَا قُلْنَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التَّعْدِيلِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَهَذَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِلْمُوَاظَبَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ، فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِافْتِتَاحُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ التَّرْكِ فَعَلَى هَذَا يَضْعُفُ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَنَبِيُّنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْمُرَادُ غَيْرُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ نَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَنْهُ عَلَى لَفْظِ التَّكْبِيرِ وَيَضْعُفُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ وَاجِبَةٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْكُلِّ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ السَّرَخْسِيِّ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْكَافِي وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى التَّعْظِيمِ لَا خُصُوصَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ حَتَّى يَصِيرَ شَارِعًا بِ " الرَّحِيمُ أَكْبَرُ " أَوْ " أَجَلُّ " كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ وَأَفْتَى بِهِ الْمَرْغِينَانِيِّ فَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالرَّحِيمِ ضَعِيفٌ وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ
ــ
[منحة الخالق]
وَإِلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ الْحَمْلِ كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ شُرُوعٌ فِي الْمُرَادِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَبَّرَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَإِلَّا لَأَتَى بِالْفَاءِ، وَقَالَ: فَلَوْ شَرَعَ، بَلْ مُرَادُهُ بِالتَّكْبِيرِ ظَاهِرُهُ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الشُّرُوعَ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَعَ بَيَانٌ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ بِغَيْرِهِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ لَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ ثُمَّ غَايَةُ مَا هُنَا إلَخْ) النَّصُّ هُوَ قَوْلُهُ {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٥] وَالذِّكْرُ يَشْمَلُ التَّكْبِيرَ وَغَيْرَهُ وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَهُوَ مَعَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الْفَرْضِيَّةَ لِئَلَّا يَلْزَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُمَا حَمَلَا التَّكْبِيرَ عَلَى التَّعْظِيمِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ لَفْظَ التَّكْبِيرِ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ؟ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَوْ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ بِالْمُوَاظَبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute