للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا إذَا قَرَنَ بِهِ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا اتِّفَاقًا كَقَوْلِهِ الْعَالِمُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ أَوْ بِأَحْوَالِ الْخَلْقِ كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِكُلِّ اسْمٍ مُشْتَرَكٍ مُقَيَّدٍ بِمَا إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يُزِيلُ اشْتِرَاكَهُ.

أَمَّا إذَا قُرِنَ بِمَا يُزِيلُهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَقَوْلِهِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ وَعَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ شَارِعًا بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ اهـ.

وَأَشَارَ بِذِكْرِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَّا بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ كَاللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّجْرِيدِ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ التَّعْظِيمَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّكْبِيرِ حُكْمٌ عَلَى الْمُعَظَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخَبَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَصِيرُ شَارِعًا بِكُلِّ اسْمٍ مُفْرَدٍ أَوْ خَبَرٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَلَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَفَرَّقَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، فَقَالَ: لَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ وَلَمْ يَزِدْ يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ قَالَ التَّكْبِيرُ أَوْ الْأَكْبَرُ أَوْ قَالَ أَكْبَرُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَانَ الْفَرْقُ الِاخْتِصَاصَ فِي الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ، مِنْهَا: أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ عَلَى عَشْرٍ، وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ الشَّرِيفَ فَقَطْ لَا تَجِبُ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَجِبُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ إلَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهُ كَانَ فِي قِيَامِهِ، وَقَوْلَهُ أَكْبَرُ كَانَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ لَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا وَلَمْ يَحْكِيَا غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُمَا بَنَيَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ

وَمِنْهَا: مَا لَوْ وَقَعَ اللَّهُ مَعَ الْإِمَامِ وَأَكْبَرُ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَمَّا إذَا شَرَعَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لِسَانٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَهُوَ كَالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ لَوْ آمَن بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ إجْمَاعًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَكَذَا التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ وَالسَّلَامُ وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ بِهَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يَصِيرَ شَارِعًا بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ حَيْثُ دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِهَا حَيْثُ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخُطْبَةُ وَالْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ، وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ.

(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) أَيْ لَوْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ قَيَّدَ بِالْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَادِرًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ بِالصِّحَّةِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ أَخْذِ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَفْهُومِ الْقُرْآنِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فصلت: ٤٤] فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ قُرْآنًا أَيْضًا لَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَوَافَقَهُمَا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْقُرْآنِ بِاللَّازِمِ إنَّمَا هُوَ الْعَرَبِيُّ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] وَأَمَّا قُرْآنُ الْمُنْكِرِ فَلَمْ يُعْهَدْ فِيهِ نَقْلٌ عَنْ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَقْرُوءٍ وَمَا قِيلَ: النَّظْمُ مَقْصُودٌ لِلْإِعْجَازِ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهَا الْمُنَاجَاةُ لَا الْإِعْجَازُ فَلَا يَكُونُ النَّظْمُ لَازِمًا فِيهَا فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ النَّصَّ طَلَبٌ بِالْعَرَبِيِّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُجِيزُهُ بِغَيْرِهَا وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرٌ أُصُولًا وَفُرُوعًا وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهَا فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْفَارِسِيَّةَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ فَحِينَئِذٍ كَانَ مُرَادُهُ مِنْ الْفَارِسِيَّةِ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ النَّاسِ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَا تَجِبُ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ الْفَتْوَى عَلَى الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهِ بِأَنْ مَدَّ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفَ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّهُ فِي أَذَانِ السِّرَاجِ قَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ أَذَانٌ

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: شَرْطُ الْعَجْزِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ كَمَا رَوَاهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَالرَّازِيِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.

قُلْت: وَتَقْيِيدُهُ بِالْعَجْزِ هُنَا دُونَ الشَّرْعِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الشُّرُوعِ مَذْهَبُ الْإِمَامِ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْفَارِسِيَّةِ بِدُونِ الْعَجْزِ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ جَعْلَهُ كَالتَّلْبِيَةِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا قَوْلُ الْعَيْنِيِّ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى قَوْلِهِمَا اهـ.

فَهُوَ اشْتِبَاهُ مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ بِمَسْأَلَةِ الشُّرُوعِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ وَلَا سَنَدَ يُقَوِّيه بَلْ ظَاهِرُ التَّتَارْخَانِيَّة رُجُوعُهُمَا إلَيْهِ لَا هُوَ إلَيْهِمَا فَاحْفَظْهُ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْقَاصِرِينَ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ فَتَنَبَّهْ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشُّرُوعِ فَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ فِيهَا بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الرُّجُوعُ مِنْهُمَا إلَيْهِ لَا مِنْهُ إلَيْهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>