كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ فَيَضُمُّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِيُمْكِنَهُمْ التَّصَرُّفُ وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فَيَجِبُ الضَّمُّ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْصِبَ عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ قُلْنَا الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ لَكِنَّ الْمُوصَى إلَيْهِمَا مَتَى شَهِدَا بِذَلِكَ كَانَ مِنْ زَعْمِهِمَا أَنَّهُمَا لَا تَدْبِيرَ لَهُمَا فِي هَذَا الْمَالِ إلَّا بِالثَّالِثِ فَأَسْنَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فَكَذَا هُنَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ مِنْ قَضَاءِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ لَوْ سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا لِرَجُلٍ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِرِضَاهُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُمَا إلَى ذَلِكَ اهـ.
ثُمَّ إنَّ هَذَا حَالُ الضَّمِّ إلَى الْوَصِيَّيْنِ مُطْلَقًا وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ الثَّالِثَ إلَيْهِمَا أَلْبَتَّةَ وَإِنْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَمَا مَضَى عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ. اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ أَوْ قَبِلَ وَرَدَّ أَوْ لَمْ يَرُدَّ وَنَحْنُ نَذْكُرُهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَدْخَلَ مَعَهُمَا رَجُلًا آخَرَ سِوَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّهُ يُدْخِلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا.
هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُدْخِلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ خِلَافٌ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا، وَقَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ قَالَ أَدْخَلْت مَعَهُمَا ثَالِثًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ ثُمَّ أَبَى لَا يُقْبَلُ رَدُّهُ وَإِبَاؤُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْمَقَامَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهِ: إنَّ وُجُوبَ كَوْنِ الْمَضْمُومِ هَذَا الْمُدَّعِي إثْرَ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ مَعَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ فَكَيْفَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا أَثَرٌ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُتَّهَمِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَإِيجَابُهُ فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ كَمُؤْنَةِ التَّعْيِينِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُسْقِطُ عَنْ الْقَاضِي مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْوِصَايَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ أَمَّا الْوِصَايَةُ فَتَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ حُجَّةً فِي الدَّفْعِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْإِثْبَاتِ كَالِاسْتِصْحَابِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّفْعِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاضِيَ مَلَكَ نَصْبَ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ طَالِبًا، وَالْمَوْتُ مَعْرُوفًا فَلَا يَثْبُتُ لِلْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وِلَايَةٌ لَمْ تَكُنْ وَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا عَنْهُ مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ وَمِثَالُهُ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي تَعْيِينِ الْأَنْصِبَاءِ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي فَصَلَحَتْ دَافِعَةً لَا مُوجِبَةً فَكَذَلِكَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ) أَيْ يَدَّعِي زَيْدٌ أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَتَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ كَمَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يَنْصِبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً فَهَذَا أَوْلَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الِابْنَانِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ الِابْنَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا مُرْتَابٍ أَيْ مُتَّهَمٍ وَإِنْ ادَّعَى الشُّهُودُ لَهُ الْوِصَايَةَ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ نَصَبَ وَصِيًّا ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ بِطَلَبِهِمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِوَلَدٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ عَلَى الْمَيِّتِ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ عَلَى الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي ذَلِكَ فَصَارَا مُتَّهَمَيْنِ أَوْ خَصْمَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لِكَبِيرٍ بِمَا لِلْمَيِّتِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَلَدٍ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ لِأَنْفُسِهِمَا عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لِكَبِيرٍ بِخِلَافِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِمَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا.
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا أَوْ الْمُوصِي أَبًا حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ جَمِيعِهِ فَيَكُونَانِ مُتَّهَمَيْنِ فَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَالِ الْمَوْرُوثِ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَبِيرِ