وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إذَا شَهِدَا لِوَارِثٍ كَبِيرٍ يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِي التَّرِكَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لَا تَثْبُتُ لَهُمَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرَتْ عَنْ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا صِغَارًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ.
إذَا شَهِدَ غُرَمَاءُ الْمَيِّتِ أَنَّهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ: اُعْطُوَا مِنْهُ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مُحَمَّدٌ يُعْطِي الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْمَالِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ أَلْفًا فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِالثُّلُثِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِشَهَادَةِ الْأَلْفِ لِفُلَانٍ فَمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ يُقْبَلُ، وَمَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِهِ يُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ بِهِ شَهَادَةُ فَرْدٍ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَثْنَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَيْنِ بِدَرَاهِمِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِدَنَانِيرَ أَوْ اثْنَانِ بِعَبْدٍ، وَالْآخَرَانِ بِدَرَاهِمَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَشْهَدُ عَلَى عَقْدِ الْوَصِيَّةِ لَا عَلَى الْمِلْكِ وَيُمْكِنُ إثْبَاتُ الْعَقْدَيْنِ وَمَتَى كَانَ الْمُوصَى بِهِ وَاحِدًا بَطَلَتْ الشَّهَادَتَانِ.
كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِالْبَيْعِ مِنْ هَذَا، وَالْآخَرُ بِبَيْعِهِ مِنْ هَذَا لَمْ تُقْبَلْ وَمَتَى كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُخْتَلَفًا، فَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْوَصِيَّتَيْنِ فَتُقْبَلُ.
وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِرَجُلٍ كَبِيرٍ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ جَازَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَجُزْ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمَا يَقْبِضَانِ مِيرَاثَهُ فَيَكُونَانِ مُتَّهَمَيْنِ، وَتُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا عَلَى النَّسَبِ وَعَلَى التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ النَّسَبُ وَاسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ إنَّمَا يُثْبِتُ حُكْمًا لِبَيَانِ النَّسَبِ لَا مَقْصُودًا بِالشَّهَادَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ بِوَصِيَّةِ أَلْفٍ لَا) وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا، وَيَرْوِي أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَيَرْوِي مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا مَعًا وَشَهِدُوا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ فَقُبِلَتْ ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ لَهُمَا الْأَوَّلَانِ تُقْبَلُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ.
الْأَوَّلُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ، وَالثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ التَّرِكَةِ كَالشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةً أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَالثَّالِثُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِجَارِيَةٍ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ، وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا هُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِجَارِيَةٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ يَعْنِي وَيَشْهَدُ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ وَمَبْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى تُهْمَةِ الشَّرِكَةِ فَمَا ثَبَتَ فِيهِ التُّهْمَةُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ وَهُوَ الثَّانِي، وَالرَّابِعُ وَمَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ التُّهْمَةُ قُبِلَتْ كَالثَّالِثِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ.
أَقُولُ: تَقْسِيمُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَتَقْرِيرُهُ هُنَا مُخْتَلٌّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْأَوْجُهِ الْأَقْسَامَ الْكُلِّيَّةَ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ لَا غَيْرُ أَحَدُهُمَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ وَثَانِيهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَثَالِثُهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمَا عَدَاهُ وَجْهًا رَابِعًا دَاخِلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَا مَحَالَةَ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْأَمْثِلَةَ فَهِيَ خَمْسَةٌ لَا أَرْبَعَةٌ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ الِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَجْهًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَالثَّالِثُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ لَا يُسَاعِدُهُ كَوْنُ مُرَادِهِ بِالْأَوْجُهِ هُوَ الْأَمْثِلَةُ بَلْ يَقْتَضِي كَوْنُ مُرَادِهِ بِهَا هُوَ الْأَقْسَامُ الْكُلِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ.
كَمَا لَا يَخْفَى ثَمَّ أَنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ وَإِنْ ذَهَبَا أَيْضًا إلَى كَوْنِ الْأَوْجُهِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَرْبَعَةً إلَّا أَنَّ تَقْرِيرَهُمَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْأَوْجُهِ هُوَ الْأَمْثِلَةُ، وَالْمَسَائِلُ دُونَ الْأَقْسَامِ الْكُلِّيَّةِ، وَالْأُصُولِ كَمَا يُنَافِيهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا قَالَ وَجِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِوَصِيَّةِ عَيْنٍ أُخْرَى كَالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِلْمَشْهُودِ فِيهِ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَيْضًا، وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ، وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ ثُمَّ إنَّ الْحَقَّ أَنْ تَثْبُتَ الْقِسْمَةُ هَاهُنَا كَمَا فَعَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ شَهِدَ هَذَانِ لِهَذَيْنِ، وَهَذَانِ لِهَذَيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute