إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَوْ أَكَلُوا الرِّبَا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرَانِ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ.
الثَّانِي أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ جَهْرًا أَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِهِ سِرًّا وَكَانَ مُجَرَّدًا طَلَبَ مِنْهُ الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ سِرًّا أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ لِتَعَارُضِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عِنْدَهُ فَيُقَدَّمُ الْجَرْحُ فَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي سِرًّا أَنَّ الشَّاهِدَ أَكَلَ الرِّبَا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ رَدَّ شَهَادَتَهُ كَمَا أَفَادَ فِي الْكَافِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخَصْمَ لَا يَضُرُّهُ الْإِعْلَانُ بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِخْبَارُ سِرًّا فِي الشَّاهِدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ السِّتْرِ بِأَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْجَرْحِ ذَلِكَ لِلْمُدَّعِي سِرًّا أَوْ يَقُولَ لِلْقَاضِي فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا يُبَاحُ إظْهَارُ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ اهـ.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدًا شَامِلٌ لِمَا إذَا تَضَمَّنَ التَّعْزِيرُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ خَلَى بِأَجْنَبِيَّةٍ تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ إثْبَاتَ التَّعْزِيرِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الْحَقِّ الْحَدُّ فَلَا يَدْخُلُ التَّعْزِيرُ لِقَوْلِهِمْ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ بِهَا فَوَضَحَ الْفَرْقُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ مَثَّلُوا لِلْمُجَرَّدِ بِآكِلِ الرِّبَا مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَبِإِقْرَارِهِمْ بِالزُّورِ مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْحُدُودِ فَقَطْ
الرَّابِعُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ الْمُجَرَّدِ هُمْ زُنَاةٌ شَرَبَةُ الْخَمْرِ وَمِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الشَّارِحُ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْجَرْحِ مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَاقِعَةَ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ عَلَى رِقِّ الشَّاهِدِ أَوْ عَلَى شَرِكَةِ الشَّاهِدِ فِي الْعَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَنْ يَقُولَ هُمَا عَبْدَانِ أَوْ مَحْدُودَانِ فِي قَذْفٍ أَوْ شَرِيكَانِ فَإِذَا قَالَ هُمَا عَبْدَانِ يُقَالُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْآخَرَيْنِ يُقَالُ لِلْخَصْمِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا كَذَلِكَ اهـ.
فَعَلَى هَذَا الْجَرْحِ فِي الشَّاهِدِ إظْهَارُ مَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالشَّهَادَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ فَإِدْخَالُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْجَرْحِ الْمَقْبُولِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْهُمَامِ مَرْدُودٌ بَلْ مِنْ بَابِ الطَّعْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ بِمَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ يُقْبَلُ وَلَيْسَ هَذَا بِجَرْحٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ.
السَّادِسُ أَنَّ الْإِمَامَ الْخَصَّافَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ فِي الْقَبُولِ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ وَلَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ الْمَذْهَبِ حَمَلَهُ الْمَشَايِخُ عَلَى مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ بِأَنْ يُجْعَلَ كَشَاهِدٍ زَكَّاهُ نَفَرٌ وَجَرَحَهُ نَفَرٌ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ يَعْنِي لَا ضَرُورَةَ إلَى
ــ
[منحة الخالق]
صَدْرَ الشَّرِيعَةِ فِيمَا ادَّعَاهُ بِالنَّقْلِ فَلْيُتَدَبَّرْ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ أَيْ فِي كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ شُهُودِ الْمُدَّعِي سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَإِذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. اهـ.
أَقُولُ: وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ يَظْهَرُ لَك عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ كَلَامِهِمْ جَمِيعًا فَكَلَامُ السِّرَاجِ مُحْتَمِلٌ لِقَبُولِهَا عَلَى الْمُجَرَّدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ نَعَمْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْقَبُولِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا لَا تُثْبِتُ أَمْرًا يُسْقِطُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ أَمَّا ثُبُوتُ الطَّعْنِ بِهَا وَعَدَمُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْمَجْرُوحِينَ مَا لَمْ يَعْدِلُوا فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَهَذَا مَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَهُوَ مَا حَقَّقَهُ مُلَّا خُسْرو أَيْضًا مِنْ أَنَّهَا أَفَادَتْ الدَّفْعَ أَيْ عَدَمَ الْعَمَلِ بِتِلْكَ قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلِذَا اسْتَوْضَحَ عَلَيْهِ بِقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَحَاصِلُهُ تَسْلِيمُ إفَادَتِهَا مُجَرَّدِ الطَّعْنِ لَا إثْبَاتَ فِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ الرَّافِعَ لِلْقَبُولِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَظْهَرُ فِيهَا حُسْنُ حَالِهِمَا وَيَعْدِلُوا بَعْدَهَا وَهَذَا أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَيْ لَا يَثْبُتُ بِهَا فِسْقُهُمْ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخَصْمَ لَا يَضُرُّهُ الْإِعْلَامُ بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ) ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُ بِإِعْلَانِ الْفَاحِشَةِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ بِخِلَافِ فِسْقِ الشُّهُودِ يُسْقِطُ شَهَادَتَهُمْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الشَّارِحُ إلَخْ) نُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِمَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا بِأَنَّ قَوْلَهُمْ شَرَبَةُ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ رِبَا اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقْطَعُ بِوَصْفِهِمْ بِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ الْمَاضِي مِثْلَ قَوْلِهِمْ شَرِبُوا أَوْ زَنَوْا اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ فِي التَّمْثِيلِ لِلْأَوَّلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَلِلثَّانِي بِالْمَاضِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ بِأَنْ زَالَتْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَمَضَى شَهْرٌ فِي الْبَاقِي وَبِعَدَمِ تَقَادُمِهِ عَدَمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ) لَعَلَّهُ بِأَنَّهُ فَسَقَطَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ مِنْ الْكَاتِبِ وَعِبَارَةِ الْفَتْحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا مَا يَمْنَعُهُ وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ فِي جَوَابِ إيرَادٍ قَبْلَهُ حَيْثُ قَالَ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ الْفِسْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلُوا مُزَكِّينَ لِشُهُودِ الْمُدَّعِي فَيُخْبِرُونَ بِالْوَاقِعِ مِنْ الْجَرْحِ فَيُعَارِضُ تَعْدِيلَهُمْ وَإِذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ قُدِّمَ الْجَرْحُ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُعَدِّلَ فِي زَمَانِنَا يُخْبِرُ الْقَاضِيَ سِرًّا تَفَادِيًا مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَالتَّعَادِي اهـ.
وَفِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ شُرَّاحِ الْوِقَايَةِ قُلْت إذَا كَانَ يُقْبَلُ جَرْحُ الْمُزَكِّي لِلشَّاهِدِ بَعْدَ تَعْدِيلِ آخَرَ إيَّاهُ فَلَيْتَ شِعْرَى لَمْ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ