للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إظْهَارِهِ. السَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ شَرِيكُ الْمُدَّعِي مَحْمُولٌ عَلَى الشَّرِكَةِ عَقَدَا فَمَهْمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الْبَاطِلِ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُدَّعَى بِهِ وَإِلَّا كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُمَا. الثَّامِنُ لَوْ طَعَنَ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ ابْنُ الْمُدَّعِي أَوْ أَبُوهُ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مَمْلُوكُهُ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّعْنَ بِمَا لَا يَكُونُ فِسْقًا بَلْ رَدُّ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ مَقْبُولٌ وَمِنْهُ مَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ كَانَ وَكِيلًا عَنْ الْمُدَّعِي وَخَاصَمَ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ عَدُوُّهُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا تُقْبَلُ إذَا قُلْنَا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّعْنُ بِمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِسْقًا مَقْبُولٌ.

التَّاسِعُ أَنَّ الْجَرْحَ الْمُجَرَّدَ إذَا تَضَمَّنَ دَفْعَ ضَرَرٍ عَامٍّ يُقْبَلُ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «اُذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ» قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ ضَرَرُهُ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ الْإِعْلَامِ اهـ.

وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إثْبَاتُ فِسْقِ رَجُلٍ عِنْدَ الْقَاضِي إذَا كَانَ ضَرَرُهُ عَامًّا كَرَجُلٍ يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ لِيَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُخْرِجَهُ عَنْ الْبَلَدِ وَفِي كَرَاهِيَةِ الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ يُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ السُّلْطَانِ بِهِ لِيَزْجُرَهُ اهـ.

وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ بِالْقَاهِرَةِ أَنَّ ثَلَاثَ إخْوَةٍ بِبُولَاقَ شَهِدَ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِمْ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْفِسْقِ وَإِيذَاءِ النَّاسِ وَالتَّزْوِيرِ فَأَفْتَيْت بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ لِيَزْجُرَهُمْ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ فَزَجَرَهُمْ وَكَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْعَاشِرُ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ التَّحْلِيفِ طَعْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ بِأَنَّهُ كَانَ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ وَرَامَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ وَإِنْ بَرْهَنَ تُقْبَلُ اهـ.

فَعَلَى هَذَا كُلُّ طَعْنٍ يُقْبَلُ عِنْدَ الْبُرْهَانِ لَا تَحْلِيفَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِهِ عَلَى الشَّاهِدِ وَعَلَى الْمُدَّعِي وَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُ الشَّاهِدِ بِهِ وَيَصِيرُ كَالْبُرْهَانِ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الْقَبُولُ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ تُقْبَلُ اهـ.

وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَقَدَّمْنَاهُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُمْ مَالًا لِئَلَّا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ لَهُ مِنْ مَالِي كَذَا لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَطَلَبَ رَدَّهُ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ فَقُلْت وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ دَفَعَ لَهُمْ كَذَا لِئَلَّا يَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَطَلَبَ رَدَّهُ وَثَبَتَ إمَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ فِسْقُ الشَّاهِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَيَّدَ بِدَفْعِ الْمَالِ وَمَفْهُومُهُ لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ لِئَلَّا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَدَّعِ دَفْعَ الْمَالِ فَأَقَرُّوا لَمْ تَسْقُطْ الْعَدَالَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُونَ الثَّانِي عَشَرَ أَنَّ الطَّعْنَ بِرِقِّهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى سَيِّدِهِمَا وَأَنَّ إثْبَاتَهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِرِقِّهِمَا أَسْقَطَ شَهَادَتَهُمَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ بِالشَّهَادَةِ وَإِذَا سَأَلَهُمَا الْقَاضِي فَقَالَا أَعْتَقَنَا سَيِّدُنَا وَبَرْهَنَا ثَبَتَ عِتْقُ السَّيِّدِ فِي غَيْبَتِهِ فَإِذَا حَضَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَأَمَّا الْجَرْحُ بِأَنَّهُ قَاذِفٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَقْذُوفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْت بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ كَانَ عَدْلًا) لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَوَضَحَ الْعُذْرُ فَيُقْبَلُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ أَيْ ثَابِتُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ لَا وَسَأَلَ عَنْهُ فَعُدِّلَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَعْنِي هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَسْتُورِ لَا عَنْ الْفَاسِقِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا شَهَادَةَ لَهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَبْرَحْ أَيْ لَمْ يُفَارِقْ مَكَانَهُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ الْخَصْمُ بِالدُّنْيَا وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ قَيْدًا مَذْكُورًا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ هُوَ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَجَعَلَ فِيهِ إطَالَةَ الْمَجْلِسِ كَالْقِيَامِ عَنْهُ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَيَّدَ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ قَالُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدَّارِ لَا نَدْرِي لِمَنْ الْبِنَاءُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِلشَّكِّ وَإِنْ قَالُوا لَيْسَ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّيَ لَمْ يَفْسُقْ بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّهُ يُزَكِّي سِرًّا بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ إذَا أَظْهَرهَا فَسَقَ فَلَا يُقْبَلُ جَرْحُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّرِكَةِ عَقْدًا فَمَهْمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الْبَاطِلِ إلَخْ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَالِ الْبَاطِلِ الْمُدَّعَى بِهِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ عَقْدًا يَشْمَلُ الْعَنَانَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَنَّهُ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ إلَى آخِرِ الْعِبَارَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَوْلُهُ لَا أَنْ يُرَادَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا أَنْ يُرَادَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(قَوْلُهُ رَجُلٌ يُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يُفِيدُ إثْبَاتَ الْفِسْقِ الْمُجَرَّدِ عَلَى طَرِيقِ الشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ يُفِيدُ جَوَازَ إعْلَامِ السُّلْطَانِ بِهِ لِيَزْجُرَهُ وَيَمْنَعَهُ وَمِنْ ثَمَّ أَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ إذَا صَحِبَ مَنْ لَهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَغَيْرِهِمْ يَتَطَاوَلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَأَخْذِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَزَالُ الْمُسْلِمُونَ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ مِنْهُ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ أَجَابَ هَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَوَاتِرًا عِنْدَ هُمْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْزِيرٍ بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ ثُمَّ حَبْسُهُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَصَلَاحُ الْحَالِ اهـ. كَلَامُهُ ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>