للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً فَهَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْجِرَاحَةِ مَا يَجِبُ بِالشَّجَّةِ مِنْ الْمِقْدَارِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنَّقْلِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشِّجَاجِ وَهِيَ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَخَصَّ الْحُكْمَ الْمُقَدَّمَ بِهَا وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي الشَّيْنِ لِأَنَّ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ يَظْهَرَانِ فِي الْغَالِبِ وَغَيْرُهُمَا مَسْتُورٌ غَالِبًا لَا يَظْهَرُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّحْيَيْنِ فَعِنْدَهُمَا فِي الْوَجْهِ فَيَتَحَقَّقُ الشِّجَاجُ فِيهِمَا فَيَجِبُ فِيهَا مُوجِبُهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَا تَقَعُ بِهِمَا وَنَحْنُ نَقُولُ هُمَا مُتَّصِلَانِ بِالْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ فَصَارَا كَالذَّقَنِ لِأَنَّهُمَا تَحْتَهَا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ يُفْرَضَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُمَا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هُنَا فَبَقَّيْنَا الْعِبْرَةَ لِلْحَقِيقَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الشِّجَاجُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ أَحَدَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الْخَارِصَةُ وَهِيَ تَشُقُّ الْجِلْدَ مَأْخُوذَةً مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ مِنْ الدَّقِّ ثُمَّ الدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ لِأَنَّهَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْغَالِبِ ثُمَّ الدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَتَفْسِيرُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الَّتِي تُقَشِّرُ الْجِلْدَ وَتَجْمَعُ اللَّحْمَ فِي مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ وَلَا تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْتِحَامٍ يُقَالُ الْتَحَمَ الْجَيْشَانِ إذَا اجْتَمَعَا ثُمَّ السِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ تُسَمَّى السِّمْحَاقُ ثُمَّ الْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ ثُمَّ الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْعَظْمُ لِأَنَّهَا تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَنْقُلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْآمَّةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي فَوْقَ الدِّمَاغِ ثُمَّ الدَّامِغَةُ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَ وَتَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعِيشُ مَعَهَا، وَأَمَّا أَحْكَامُهَا، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشِّجَاجُ عَمْدًا فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ السِّكِّينَ يَنْتَهِي إلَى الْعَظْمِ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ غَالِبًا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الشِّجَاجِ إلَّا فِي الْقِصَاصِ وَالْمُوضِحَةِ وَلَيْسَ لِهَذِهِ الشِّجَاجِ أُرُوشٌ مُقَدَّرَةٌ وَمُوجِبُ هَذِهِ الشِّجَاجِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشِّجَاجُ خَطَأً فَفِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ.

وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشْرَةَ وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةَ وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةَ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي الرِّجْلِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ هَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي النَّوَادِرِ رَجُلٌ أَصْلَعُ ذَهَبَ شَعْرُهُ شَجَّهُ إنْسَانٌ مُوضِحَةً عَمْدًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْتَصُّ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مُوضِحَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي تَنَاوُلِ الْأَطْرَافِ وَلَا مُسَاوَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي أَحَدِهِمَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ فَتَعَذَّرَ مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ وَصَارَ كَصَحِيحِ الْيَدِ إذَا قَطَعَ يَدَ الْأَشَلِّ لَا يَقْطَعُ فَكَذَا هَذَا.

وَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ رَضِيت أَنْ يُقْتَصَّ مِنِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا لَمْ تُوجِبْ الْقِصَاصَ لَا يُوجِبُ الِاسْتِيفَاءَ بِالرِّضَا، وَإِنْ كَانَ الشَّاجُّ أَيْضًا أَصْلَعَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ مُمْكِنٌ فَصَارَ كَالْأَشَلِّ إذَا قَطَعَ يَدَ الْأَشَلِّ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْجِرَاحَةِ أَثَرٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ اُضْطُرَّ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْجِرَاحَةِ خَوْفًا مِنْ السِّرَايَةِ فَكَانَ الزَّوَالُ مُضَافًا إلَى جِنَايَتِهِ لَهُمَا أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا فِي الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا فِيهِ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ السِّرَايَةِ لَا يُثْبِتُ الِاضْطِرَارَ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ مَوْهُومَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الِاضْطِرَارُ بِالْوَهْمِ وَالِارْتِيَابِ فَلَمْ يَصِرْ مُفَوِّتًا لِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ وَلَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ لَطَمَهُ فَآلَمَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُهَا، فَإِنْ نَفَذَ مِنْ الْجَائِفَةِ فَثُلُثَاهَا) لِمَا رُوِيَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَهُوَ يَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ قَوْلُهُ جَائِفَةٌ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ الْجَائِفَةُ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْجَنْبِ وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>