«فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ ارْتَفَعَ» أَطْلَقَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَشَمِلَ الْقَطْرَةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ آخِرًا وَفِي وُجُودِ رِيحِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الرِّيحُ مَوْجُودًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ وَقْتَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ قَرِيبًا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّائِحَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَبِقِيَامِ الرَّائِحَةِ أَوْ يَشْهَدَا بِهِ فَقَطْ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيَسْتَنْكِهُهُ وَيُخْبِرُهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ.
فَإِنْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ رِيحِهَا مَعَ قُرْبِ الْمَكَانِ فَسَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ بَعِيدًا فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَخَذُوهُ فِي حَالِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ وُجُودِ الرَّائِحَةِ عَنْ السَّكْرَانِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ بِنَبِيذٍ وَأُخِذَ وَرِيحُ مَا شَرِبَ مِنْهُ مَوْجُودٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رَائِحَةِ الشُّرْبِ الَّذِي شَرِبَهُ خَمْرًا كَانَ أَوْ نَبِيذًا سَكِرَ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّيحَ حَيْثُ قَالَ مَوْجُودٌ وَفِي الْهِدَايَةِ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُؤَنَّثَةِ السَّمَاعِيَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ لِلشُّبْهَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الشُّهُودَ كَمَا يَسْأَلُهُمْ فِي الزِّنَا وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى فَقَالَ: وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِشُرْبِ الْخَمْرِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ ثُمَّ سَأَلَهُمْ كَيْفَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ مَتَى شَرِبَ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ أَنَّهُ أَيْنَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْ الْوَقْتِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ كَافٍ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الْعَدَالَةِ وَلَا يَقْضِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ اهـ.
، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشُرْبِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا نَاطِقًا فَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا كَافِرٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أُتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ خَمْرٍ أَوْ سَرَقَ أَوْ زَنَى ثُمَّ تَابَ وَأَسْلَمَ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا خَلَا الْخَمْرَ، وَالسُّكْرَ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَافِرٌ وَحَدُّ السُّكْرِ، وَالْخَمْرِ لَا يُقَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُحَدُّ الْأَخْرَسُ سَوَاءٌ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِإِشَارَةٍ مَعْهُودَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَيُحَدُّ الْأَعْمَى وَلَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ: ظَنَنْتهَا لَبَنًا أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهَا خَمْرٌ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا بِالرَّائِحَةِ، وَالذَّوْقِ مِنْ غَيْرِ ابْتِلَاعٍ، وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتهَا نَبِيذًا قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْخَمْرِ بَعْدَ الْغَلَيَانِ، وَالشِّدَّةِ يُشَارِكُ الْخَمْرَ فِي الذَّوْقِ، وَالرَّائِحَةِ اهـ.
وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ فَلَوْ شَهِدَا عَلَى الشُّرْبِ، وَالرِّيحُ يُوجَدُ مِنْهُ لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرِبَهَا وَشَهِدَ الْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِشُرْبِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ السَّكَرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي حَصْرِهِ الثُّبُوتَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يُوجَدُ فِي بَيْتِهِ الْخَمْرُ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ يُوجَدُ الْقَوْمُ مُجْتَمَعِينَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ يَشْرَبُونَهَا غَيْرَ أَنَّهُمْ جَلَسُوا مَجْلِسَ مَنْ يَشْرَبُهَا لَا يُحَدُّونَ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُونَ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُوجَدُ مَعَهُ رِكْوَةٌ مِنْ خَمْرٍ وَكَانَ فِي عَهْدِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: لِمَ تَحُدُّهُ فَقَالَ؛ لِأَنَّ مَعَهُ آلَةَ الشُّرْبِ، وَالْفَسَادِ فَقَالَ الْإِمَامُ فَارْجُمْهُ إذْنٌ، فَإِنَّ مَعَهُ آلَةَ الزِّنَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِ: مَرَّةً رَدٌّ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَرَّتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَا قُلْنَا: ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَشَرَطَ أَنْ يُعْلَمَ شُرْبُهُ طَوْعًا وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ شَرِبَهُ طَائِعًا؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ مُكْرَهًا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أُكْرِهْت عَلَيْهَا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ طَائِعًا وَلَوْ لَمْ يَشْهَدُوا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ لَا يُقَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي سَكِرَ الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرَامِ حُدَّ فِي الْأَصَحِّ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْعُذْرُ لِلْمُصَنِّفِ فِي حَذْفِهِ قَيْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَجَابَ حِينَ سُئِلَ عَنْ الذِّمِّيِّ إذَا سَكِرَ هَلْ يُحَدُّ قَالَ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ مِنْهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَأَفْتَى الْحَسَنُ بِأَنَّهُ يُحَدُّ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ حَرَامٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute