للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا وَادَعَهُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَقَبَضَ الْمَالَ كُلَّهُ ثُمَّ أَرَادَ الْإِمَامُ نَقْضَهَا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثُّلُثَيْنِ لِتَفْرِيقِ الْعُقُودِ هُنَا بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ وَلَوْ وَادَعَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ إلَيْنَا وَفِيهَا خَيْرٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دَخَلُوا تَحْتَ الْأَمَانِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَتَمْلِيكُهُمْ، وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوَّلَ سَنَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ لَهُمْ ثُمَّ يُعْطُوهُمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِمْ جَازَ لِعَدَمِ دُخُولِهِمْ تَحْتَ الْأَمَانِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ.

وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مُبْقِينَ عَلَى أَحْكَامِ الْكُفْرِ، فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ صَارُوا ذِمَّةً وَلَا يَسَعُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ صَارُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِهَا (قَوْلُهُ وَنَنْبِذُ لَوْ خَيْرًا) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَلِأَنَّ

الْمَصْلَحَةَ

لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَارًا وَإِبْقَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ يَبْلُغُ خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مِلْكُهُمْ بَعْدَ عَمَلِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ، فَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ وَفِي الْمُغْرِبِ نَبَذَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِهِ طَرَحَهُ وَرَمَى بِهِ نَبْذًا وَنَبَذَ الْعَهْدَ نَقَضَهُ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَرْحٌ لَهُ وَفِي النِّهَايَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ إعْلَامُ نَقْضِ الْعَهْدِ.

وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ النَّبْذَ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْأَمَانُ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّبْذُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا يُكْتَفَى بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ كَالْحَجْرِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَهَذَا إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً فَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِنَا بِأَمَانٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ

(قَوْلُهُ: وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ أَطْلَقَ فِي خِيَانَةِ مَلِكِهِمْ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ذُو مَنَعَةٍ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِذْنِهِ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ كَانَ نَقْضًا وَقَيَّدَ بِمَلِكِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ الْخَائِنِينَ حَتَّى يَجُوزَ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ

(قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدِّينَ بِلَا مَالٍ، وَإِنْ أُخِذَ لَمْ يُرَدَّ) أَيْ نُصَالِحُ الْمُرْتَدِّينَ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أُمُورِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ وَلَا نَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْأَوْلَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَعْصُومَةٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ شَيْءٌ لِأَجْلِ الصُّلْحِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَلَا يَرُدُّهَا حَالَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ. اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي جَوَازِ صُلْحِ الْمُرْتَدِّينَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِذَا قَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ مِنْ السِّلَاحِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ فَدَخَلَ الْكُرَاعُ، وَالْحَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَالْكُرَاعُ الْخَيْلُ وَدَخَلَ الرَّقِيقُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ الرَّقِيقُ أَوْ كَافِرًا وَخَرَجَ الطَّعَامُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتَرَضَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَلْيَقَ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَبْدَأْ أَهْلَ مَكَّةَ بَلْ هُمْ بَدَءُوا بِالْغَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ بَلْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَمِّيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ لِجَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَمَنْ تَلَقَّى الْقِصَّةَ وَذَكَرُوهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>