للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصِيبُونَ النِّسَاءَ كَذَلِكَ الْعَجُوزُ الَّذِي لَا يُرْجَى وَلَدُهَا، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَخْرَجَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ. اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ إلَّا التَّوْبَةُ، وَالِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّ دَمَ الْكَافِرِ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْأَمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَقَتْلِ أَبٍ مُشْرِكٍ) أَيْ نُهِينَا عَنْ ابْتِدَاءِ أَبِيهِ بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْنَائِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ (قَوْلُهُ وَلْيَأْبَ الِابْنُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) أَيْ لِيَمْتَنِعَ الِابْنُ مِنْ إطْلَاقِهِ وَقَتْلِهِ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اقْتِحَامِهِ الْمَأْثَمَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ يَشْغَلُهُ بِالْمُحَاوَلَةِ بِأَنْ يُعَرْقِبَ فَرَسَهُ أَوْ يَطْرَحَهُ مِنْ فَرَسِهِ وَيُلْجِئَهُ إلَى مَكَان وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَيَتْرُكَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَتَلَ أَصْلِهِ الْمُشْرِكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْأَبَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ وَأَجْدَادَهُ وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْأَبِ فَلَا يَبْتَدِئُهُمْ بِالْقَتْلِ وَخَرَجَ فَرْعُهُ، وَإِنْ سَفَلَ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ ابْنِهِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَكَذَا أَخُوهُ وَخَالُهُ وَعَمُّهُ، وَالْمُشْرِكُونَ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَقَيَّدْنَا بِالِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهَرَ الْأَبُ الْمُسْلِمُ سَيْفَهُ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا فَهَذَا أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْمُشْرِكِ؛ لِأَنَّ الْبَاغِيَ يَكْرَهُ ابْتِدَاءَ الْقَرِيبِ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ

وَأَمَّا فِي الرَّجْمِ إذَا كَانَ الِابْنُ أَحَدَ الشُّهُودِ فَيَبْتَدِئُ بِالرَّجْمِ وَلَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بِأَنْ يَرْمِيَهُ مَثَلًا بِحَصَاةٍ.

(قَوْلُهُ: وَنُصَالِحُهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ لَوْ خَيْرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ مَعْنًى إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ أَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمَّنَ مَنْ أَمَّنُوهُ وَصَارَ فِي حُكْمِهِمْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَرَادَ بِالصُّلْحِ الْعَهْدَ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَرْوِيِّ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ بِالْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بِمَالٍ فَشَمِلَ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ مِنْهُمْ إلَيْنَا وَعَكْسَهُ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جِهَادٌ مَعْنًى وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِغَيْرِ الْمَالِ فَبِالْمَالِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِمْ حَاجَةٌ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ يَصْرِفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ، وَالثَّانِي لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَلُحُوقِ الْمَذَلَّةِ إلَّا إذَا خَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ لَوْ دَخَلَ الْمُوَادِعُونَ بَلْدَةً أُخْرَى لَا مُوَادَعَةَ مَعَهُمْ فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَهَؤُلَاءِ آمِنُونَ لِبَقَاءِ الْأَمَانِ وَلَوْ أَسَرَ مِنْ الْمُوَادِعِينَ أَهْلَ دَارِ أُخْرَى فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ كَانَ فَيْئًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُوَادَعَةِ بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَسِيرِ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ ثُمَّ سَرَقَ مُسْلِمٌ مِنْهُمْ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ وَكَذَا إنْ أَغَارَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ وَسَبَوْا قَوْمًا مِنْهُمْ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ الشِّرَاءُ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ السَّابِقَةَ كَافِيَةٌ فِي إفَادَةِ الْأَمَانِ وَالْعِصْمَةِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الْمَصَالِحِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مُوَادَعَةَ الْمُسْلِمِ أَهْلَ الْحَرْبِ جَائِزَةٌ كَإِعْطَائِهِ الْأَمَانَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَالٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ ذَلِكَ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ أَخَذَهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَيْرٌ أَمْضَاهَا وَأَخَذَ الْمَالَ وَإِلَّا أَبْطَلَهَا وَرَدَّ الْمَالَ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْبَعْضِ رَدَّ كُلَّ الْمَالِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ النَّفَقَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَإِنْ كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ أَنَّ قَوْلَهُ {وَصَاحِبْهُمَا} [لقمان: ١٥] الْآيَةَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ فَتَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِابْنُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَالْأَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>