للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذَّخِيرَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ تَرَكَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ جَازَ، وَإِنْ رَفَعَ فَهُوَ أَفْضَلُ اهـ.

وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ وَنَشْرُ أَصَابِعِهِ) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ لَا يَضُمَّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرِّجُ كُلَّ التَّفْرِيجِ بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا مَنْشُورَةً كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّشْرِ عَدَمُ الطَّيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَرْفَعَهُمَا مَنْصُوبَتَيْنِ لَا مَضْمُومَتَيْنِ حَتَّى تَكُونَ الْأَصَابِعُ مَعَ الْكَفِّ مُسْتَقْبِلَةً لِلْقِبْلَةِ وَمِنْ السُّنَنِ أَنْ لَا يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ (قَوْلُهُ وَجَهْرُ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ) لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ وَالِانْتِقَالِ. قَيَّدَ بِالْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ وَالْمُنْفَرِدَ لَا يُسَنُّ لَهُمَا الْجَهْرُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّكْرِ الْإِخْفَاءُ وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا إلَى الْجَهْرِ (قَوْلُهُ وَالثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ سِرًّا) لِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَوْلُهُ سِرًّا رَاجِعٌ إلَى الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ قَالَ: «ثُمَّ وَضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» فَانْتَفَى بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ بِالْإِرْسَالِ

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَحَلُّهُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ تَحْتَ الصَّدْرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ النَّوَوِيُّ بِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ» وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى، وَاسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ مِنْ سُنَن الْمُرْسَلِينَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ» لَكِنَّ الْمُخَرِّجِينَ لَمْ يَعْرِفُوا فِيهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا تَحْتَ السُّرَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَوْجِيهِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الثَّابِتَ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ يُوجِبُ تَعْيِينَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْوَضْعُ مِنْ الْبَدَنِ إلَّا حَدِيثَ وَائِلٍ الْمَذْكُورَ، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَيُحَالُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ وَضْعِهَا حَالَ قَصْدِ التَّعْظِيمِ فِي الْقِيَامِ، وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّاهِدِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَحْتَ السُّرَّةِ فَقُلْنَا بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَضَعُ عَلَى صَدْرِهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَيَكُونُ فِي حَقِّهَا أَوْلَى (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ»

(وَقَوْلُهُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ، وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى التَّكْبِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْوُجُوبُ لَا السُّنِّيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) أَيْ تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِك» (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَوْ قَالَ: وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الرَّفْعُ نَفْسُهُ سُنَّةٌ اهـ.

لَكِنَّ اسْتِفَادَةَ الْحُكْمَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ

ــ

[منحة الخالق]

حَقًّا كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ زَجْرُهُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ ذِكْرٌ هُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ اهـ.

أَيْ لِيَشْمَلَ رِوَايَتَيْ التَّسْمِيعِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ ذِكْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَرَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَاقْتَصَرَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى إعْرَابِهِ بِالْجَرِّ وَمَشَى عَلَى أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ السُّنَنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» ، وَقَدْ نُقِلَ تَوَاتُرُ الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَهُ وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ تُرِك فِي زَمَانِنَا. اهـ.

وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الذِّكْرُ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمٌ كَمَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقْصِدْ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ فِي كَلَامِهِ مَا ذُكِرَ يَشْمَلُ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ وَالتَّسْمِيعَ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ الَّذِي بَنَى كِتَابَهُ عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَنْسَبُ الْجَرُّ لِمَا قُلْنَا وَلِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ الْمُنَافِي لِلِاخْتِصَارِ فِي قَوْلِهِ وَالْقَوْمَةُ وَالْجَلْسَةُ، وَدَفْعُهُ بِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْمَةِ الْقَوْمَةُ مِنْ السُّجُودِ بَعِيدٌ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْجَرَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَتَسْبِيحِهِ ثَلَاثًا إذْ لَوْ كَانَ الرَّفْعُ مَرْفُوعًا لَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: وَتَسْبِيحِهِ عَلَى قَوْلِهِ: وَالرَّفْعُ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ لَكِنَّ اسْتِفَادَةَ الْحُكْمَيْنِ إلَخْ) قَدْ يَمْنَعُ إرَادَةَ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ اسْتِفَادَةَ الْحُكْمَيْنِ مِمَّا ذُكِرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِصَارُهُ فِي التَّعْلِيلِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ، ثُمَّ اسْتِئْنَافُهُ ذِكْرَ الرَّفْعِ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا الرَّفْعُ نَفْسُهُ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ وَإِلَّا لَقَالَ لِأَنَّ الرَّفْعَ نَفْسَهُ وَالتَّكْبِيرَ عِنْدَهُ سُنَّتَانِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا مَانِعَ مِنْ إرَادَةِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَتِهِ بِالْوَجْهَيْنِ فَفِي كُلِّ وَجْهٍ يُرَادُ مَعْنَاهُ فَيُسْتَفَادُ الْحُكْمَانِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي وَقْتَيْنِ، وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: ١٩٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>