الْفِطْرِ وَالْمَبِيعُ فِيهِ خِيَارٌ فَمَنْ اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ لَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْوِلَايَةَ مَوْقُوفَانِ فَكَذَا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِمَا أَطْلَقَ الْخِيَارَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا قُيِّدَ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ الْمِلْكُ لَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِحَاجَةِ الْمَمْلُوكِ لِلْحَالِ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا مَوْقُوفَةً لَمَاتَ الْمَمْلُوكُ جُوعًا فَاعْتَبَرْنَا الْمِلْكَ فِيهَا لِلْحَالِ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَعِنْدَ الْإِمَامِ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَمَعَ ذَلِكَ فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ إجْمَاعًا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ وُجُوبَ زَكَاةِ مَالِ التِّجَارَةِ مُتَوَقِّفٌ أَيْضًا بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَتَمَّ الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعِنْدَنَا يُضَمُّ إلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَيُزَكِّيه مَعَ نِصَابِهِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَالْفِطْرَةُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِنْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ عَيَبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَعَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا صَدَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقُصُورِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعَوْدِهِ إلَى الْبَائِعِ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَكَانَ كَالْآبِقِ بَلْ أَشَدَّ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَفِي الْمَوْقُوفِ إنْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَعَلَى الْمُجِيزِ وَالْعَبْدِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا مَرَّ عَلَيْهِ يَوْمُ الْفِطْرِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا رَدَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَلَكِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْعَبْدُ الْمَجْعُولُ مَهْرًا إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا جَازَ تَصَرُّفُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَيْهَا، وَفِي الْأَصْلِ لَا صَدَقَةَ فِي عَبْدِ الْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ اهـ. مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظِهِ.
(قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي تَجِبُ أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ إلَى آخِرِهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَالْكَلَامُ مَعَ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ قَدْ اسْتَوْفَاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي جَعْلِهِ دَقِيقَ الْبُرِّ وَسَوِيقَهُ كَالْبُرِّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَقِيقَ الشَّعِيرِ وَسَوِيقَهُ كَهُوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْقِيمَةِ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ كَأَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قِيمَتُهُ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَجُوزُ لَكِنْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ
وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ فَالِاحْتِيَاطُ فِيمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ صَاعِ دَقِيقٍ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعَ دَقِيقِ شَعِيرٍ يُسَاوَيَانِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَصَاعَ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفٍ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ، وَلَا نِصْفَ لَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ لَا يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقُيِّدَ بِالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْخُبْزِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ فَكَانَ كَالزَّكَاةِ وَكَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي لَمْ يَرِدُ بِهَا النَّصُّ، وَكَالْأَقِطِ، وَجَعْلُهُ الزَّبِيبَ كَالْبُرِّ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَعَلَاهُ كَالتَّمْرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ وَرَجَّحَهَا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعِيَ فِي الزَّبِيبِ الْقَدْرَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ يَلُحْ لِي مَأْخَذُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ بَلْ رُبَّمَا أَفَادَ التَّقْيِيدُ بِالْخِيَارِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ خِيَارٌ لَا يَتَوَقَّفُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute