للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّى عِنْدَهُ وَقَدْ تَلَقَّاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَيَتَخَيَّرُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَاتَبَهُ، ثُمَّ دَبَّرَهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي أَقَلِّهِمَا عَيْنًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ، أَوْ مُدَبَّرٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ نِصْفُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَنِصْفُهُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيُبَاعُ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ سَفَرِي، أَوْ مِنْ مَرَضِي، أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً، أَوْ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَيَعْتِقُ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) بَيَانٌ لِلْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ لَا بِمُطْلَقَةٍ كَتَقْيِيدِهِ بِمَوْتِهِ فِي سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَعِيشَانِ إلَى مِثْلِهَا، أَوْ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى كَقَوْلِهِ: إذَا مِتُّ وَغُسِّلْتُ، أَوْ كُفِّنْتُ وَدُفِنْتُ فَأَنْت حُرٌّ فَيَعْتِقُ إذَا مَاتَ اسْتِحْسَانًا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ عَقِيبَ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ، أَوْ بِتَرْدَادِهِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَالْقَتْلُ - وَإِنْ كَانَ مَوْتًا - فَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمَعْنَى بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِ الْكَائِنِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ قَتْلًا، أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُطْلَقُ الْمَوْتِ كَيْفَمَا كَانَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ - وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ - فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا هُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ اهـ.

وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُوَقَّتٌ صُورَةً؛ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الصُّورَةِ يُحَرِّمُهُ، وَإِلَى الْمَعْنَى يُبِيحُهُ، وَأَمَّا هُنَا فَنَظَرَ إلَى التَّأْبِيدِ الْمَعْنَوِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَإِنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ فَلَا تَنَاقُضَ وَلِذَا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلْوَالِجِيُّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ كَانَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا فَإِنْ مَضَى شَهْرٌ صَارَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ بَقِيَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ وَمُضِيِّ شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِمَوْتِهِ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَإِنْ كَانَ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ قِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.

وَلَيْسَ مِنْ التَّدْبِيرِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَوْ بِشَهْرٍ وَهُوَ إيصَاءٌ بِالْعِتْقِ حَتَّى لَا يَعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَمُضِيِّ الْيَوْمِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَصِيُّ وَيَجِبُ إعْتَاقُهُ فَيُعْتِقُهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَرَثَةُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى أَيْضًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقِيمَةُ لِلْوَرَثَةِ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَمْ يَنُصَّ الْمُصَنِّفُ وَلَا أَصْلُهُ عَلَى كَوْنِهِ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا إنَّمَا نَفَى ذَلِكَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>