لَوْ فَقِيرًا - وَكُلِّهِ لَوْ مَدْيُونًا) أَيْ يَسْعَى الْمُدَبَّرُ لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى فَقِيرًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ إلَّا هُوَ، وَفِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى مَدْيُونًا دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا.
اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ فَتَتَفَرَّعُ الْأَحْكَامُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُزَوِّجُ نَفْسَهُ عِنْدَهُ لِمَا فِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَلَوْ تَرَكَ مُدَبَّرًا فَقَتَلَ خَطَأً - وَهُوَ يَسْعَى لِلْوَارِثِ - فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِوَلِيِّهِ وَقَالَا: دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْكَافِي وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا الْمُنَجَّزُ عِتْقُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ وَحُكْمُ جِنَايَتِهِ كَجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُمْ هُنَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَسْعَى وَيُؤَدِّيَهَا، قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الدَّيْنِ مُسْتَغْرِقًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْقُدُورِيَّ أَجْمَلَ الْقِيمَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ قِنًّا، أَوْ مُدَبَّرًا وَذَكَرَ فِي بط أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إذَا دَبَّرَ السَّفِيهُ، ثُمَّ مَاتَ يَسْعَى الْغُلَامُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ نُقْصَانُ التَّدْبِيرِ كَالصَّالِحِ إذَا دَبَّرَ وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهَا النِّصْفُ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ نَوْعَانِ انْتِفَاعٌ بِعَيْنِهِ وَانْتِفَاعٌ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْعَيْنِ قَائِمٌ وَبِالْبَدَلِ فَائِتٌ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَعِتْقُ الْمُدَبَّرِ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ مُطْلَقًا كَانَ، أَوْ مُقَيَّدًا اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَالْمُقَيَّدُ أَوْلَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إذَا دَبَّرَهُ، ثُمَّ كَاتَبَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكِتَابَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِجِهَةِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ إيقَاظِ ذَوِي الدِّرَايَةِ لِوَصْفِ مَنْ كُلِّفَ السِّعَايَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا أَقُولُ: قَدْ صَدَرَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ، وَإِنْ وَرَدَ مِثْلُهَا مُسْنَدًا لِلْإِمَامِ فَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْهُ وَلَمْ تُحَرِّرْهُ الْأَعْلَامُ وَالْمُقَرَّرُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ فِيمَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ لَا فِيمَنْ أُعْتِقَ كُلُّهُ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ فَوُجِدَ فِي مَرَضٍ، أَوْ صِحَّةٍ، وَسِعَايَتُهُ بَعْدَهُ سِعَايَةُ حُرٍّ مَدْيُونٍ كَالْمُدَبَّرِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ كُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَكُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ الَّذِي لَزِمَ بِالْعِتْقِ، أَوْ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ لِأَجْلِ بَدَلِ شَرْطٍ عَلَيْهِ، أَوْ لِدَيْنٍ ثَبَتَ فِي رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْحُرِّ اهـ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُدَبَّرَ قَدْ عَتَقَ كُلُّهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَهُوَ، وَإِنْ سَعَى يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمُكَاتَبِ وَمَا فِي الْمَجْمَعِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قِيلَ إنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ لِمَا عَلِمْت فَمُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ لِلنَّصِّ عَلَى حُرِّيَّتِهِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ سَيِّدِهِ وَمَا عُزِيَ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ لَمْ أَرَهُ فِيهَا وَعِبَارَتُهَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُدَبَّرِ انْتَهَتْ، وَوَصْفُهُ بِالْمُدَبَّرِ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ أَمَّا بَعْدَهَا فَهُوَ حُرٌّ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ نَعَمْ قَالَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، وَتَهْذِيبِ الْخَاصِّيِّ: الْمَرِيضُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَعِتْقُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى إذَا شَهِدَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ النَّفَاذِ فَتَوَقَّفْ اهـ.
وَهُوَ أَيْضًا مَأْخُوذٌ مِنْ التَّشْبِيهِ وَيُعَارِضُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ تَقْسِيمِ الْمُسْتَسْعَى إلَى قِسْمَيْنِ، وَلَئِنْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْ الْإِمَامِ فَالْوَجْهُ النَّقْلُ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّارِعِ وَلِتَعْرِيفِ التَّدْبِيرِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: التَّدْبِيرُ شَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْمَمْلُوكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى اهـ.
وَالْمُعَلَّقُ يُنَزَّلُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ كَمَلًا، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ «الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُدَبَّرُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ أَيْ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إعْتَاقُ أَحَدٍ ثُمَّ قَالَ وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْعَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّهَا الثُّلُثُ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ مَعْنًى بِرَدِّ قِيمَتِهِ يَعْنِي لِدَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ وَيَرُدُّ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَقَوْلُهُ: فِي الِاخْتِيَارِ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ الْمُرَادُ سُقُوطُ السِّعَايَةِ عَنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لَا تَجَزِّي عِتْقِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فِي الْمُحِيطِ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ اهـ.
مَا فِي الرِّسَالَةِ مُلَخَّصًا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا: فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ، وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ وَكَذَا الْمُعْتَقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْمُعْتَقُ عَلَى مَالٍ، أَوْ خِدْمَةٍ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ.