لِمَا يُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ يُعْطِي مَالَهَا أَقْرِبَاؤُهَا، وَقَدْ يَبْطُلُ اسْمُ التَّذْكِرَةِ الْخَانِيَّةِ مَرِيضٌ أَوْصَى بِوَصَايَا ثُمَّ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَعَاشَ سِنِينَ ثُمَّ مَرِضَ فَوَصَايَاهُ ثَابِتَةٌ إنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَبْرَأْ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ أَوْصَيْت بِكَذَا أَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ الدمن أرين سماري غَيْر مِنْ فَحِينَئِذٍ إذَا بَرِئَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْت غُرَمَائِي، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، وَلَمْ يَنْوِ أَحَدًا مِنْهُمْ بِقَلْبِهِ.
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ رَوَى ابْنُ مُقَاتِلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ لَا يُبْرِئُونَ رَجُلًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ الْمَدْيُونُ إذَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ يَجُوزُ، وَيَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ، وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ إذَا مِتّ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ قَالَ يَجُوزُ، وَتَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ إذَا مَاتَ، وَإِذَا قَالَ إنْ مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ قَالَ لَا يَبْرَأُ، وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ بَرِيءُ مِمَّا عَلَيْك، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ الرَّجُلُ ضَعُوا ثُلُثِي حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى يُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي حَيْثُمَا يَرَى النَّاسُ أَوْ حَيْثُمَا يَرَى الْمُسْلِمُونَ قِيلَ فِي عُرْفِنَا لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ، وَفِي الْعُيُونِ إذَا قَالَ اُنْظُرُوا إلَى كُلِّ مَا يَجُوزُ لِي أَنْ يُوصَى بِهِ فَأَعْطُوهُ فَهَذَا عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ اُنْظُرُوا مَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُوصِيَ بِهِ فَأَعْطُوهُ فَالْأَمْرُ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِدِرْهَمٍ وَبِأَكْثَرَ، وَقَوْلُهُ مَا يَجُوزُ لِي كَذَا ذَكَرَهُمَا هَاهُنَا، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا كُلُّهُمْ أَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُ يُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَانَ الْمُوصِي أَوْصَى بِدِرْهَمٍ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَمَّنْ قَالَ ادْفَعُوا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الثِّيَابَ إلَى فُلَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ هِيَ لَهُ قَالَ إنَّ هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ عَمَّنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ ثُلُثُ مَالِي وَقْفٌ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا.
قَالَ إنْ كَانَ مَالُهُ نَقْدًا يَعْنِي دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ بَاطِلٌ، وَصَارَ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ وَقْفٌ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ ضِيَاعًا أَوْ نَحْوَهُ صَارَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدْ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الْوَقْفِ، وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ أَنَّ مَا وُجِدَ مَكْتُوبًا مِنْ وَصِيَّةِ وَالِدِيَّ، وَلَمْ أَكُنْ نَفَّذْتهَا تَنْفُذُ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارًا فِي مَرَضِهِ قَالُوا هَذِهِ وَصِيَّةٌ إنْ صَدَّقَتْهُ الْوَرَثَةُ بِتَصْدِيقِهِمْ، وَإِنْ كَذَّبُوهُ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُعْطَى لِلنَّاسِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقُوا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت لِلَّهِ لَا يُعْتَقُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَتُصْرَفُ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ إنْ أَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ عَتَقَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَالْوَصِيَّةُ تَارَةً تَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ قَالَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ مَرِيضٌ أَوْصَى، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ لِضَعْفِهِ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ عِنْدِي وَلَا تَجُوزُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ إذَا فُهِمَ مِنْهُ الْإِشَارَةُ يَجُوزُ.
وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا كَتَبَ وَصِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ أَنْفِذُوا مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ هَكَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ هُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ سِتّ ورمر إنْ مرر وَإِنْ كَسَدَ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ الْقُرْبَةُ، وَقَالَ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السُّغْدِيَّ قَوْلُهُ وَإِنْ كَسَدَ لَيْسَ مِنْ لِسَانِنَا فَلَا أَعْرِفُ هَذَا، وَإِذَا قُرِئَ صَكُّ الْوَصِيَّةِ عَلَى رَجُلٍ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجُحُودُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا) يَعْنِي لَوْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَلَيْسَ هَذَا كَجُحُودِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ، وَجُحُودِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَجُحُودِ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ، وَالْمُسْتَأْجَرِينَ فَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ يَكُونُ فَسْخًا، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الْجُحُودَ كِذْبٌ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ قَالَ أَنَا لَمْ أُوصِ، وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخُ مَجَازًا لِأَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْجُحُودُ الْكَذِبُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ يُجْعَلْ فَسْخًا لَا كَذِبًا صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْكَذِبِ وَالْفَسَادِ، وَحَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ شَرًّا، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا مِنْ الْخَيْرِ مَحِلًّا» فَلَا يُجْعَلُ جُحُودُ الْمُوصِي فَسْخًا مِنْهُ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَتَعَوَّدُ بِالْفَسْخِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّتَهمَا تِلْكَ حَتَّى مَاتَ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُبْطِلَ أَيَّتَهمَا شَاءَ، وَيُمْضِيَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا فَأَبُو الْوَصِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute