قَصْدًا لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا تُصَلُّوا إلَّا رَكْعَتَيْنِ» قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَصْدًا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
وَلَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ قِيلَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَقِيلَ يُتِمُّهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُتِمُّهَا وَلَا تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لَأَغْنَاهُ عَنْ التَّطْوِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْفَجْرِ ثَانِيًا ظَاهِرًا وَلَمْ يَقُلْ بِسُنَّتِهِ مُضْمِرًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الْفَجْرِ بِمَعْنَى الزَّمَنِ، وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةُ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَفِي الْمُجْتَبَى تَخَفُّفُ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قُيِّدَ بِالتَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّنَفُّلِ فِيهِ لِحَقِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمَشْغُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهَا حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهَا وَالْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ لِابْنِ الْهُمَامِ يَجْرِي هُنَا لِلنَّهْيِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ النَّهْيُ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ أَثَّرَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا، وَمَا كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَثَّرَ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَبْلَ الْمَغْرِبِ) أَيْ وَمُنِعَ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا» وَهُوَ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَنْدُوبِيَّةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ وَالرَّكْعَتَانِ لَا تَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذْ تَجُوزُ فِيهِمَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَهُوَ أَمْرُ نَدْبٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجَوَابِ لَا يَدْفَعُهُ قَيْدُنَا بِالتَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَقَاضِي خان وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يُصَلُّونَ عَلَى الْجِنَازَةِ، ثُمَّ يَأْتُونَ بِالسُّنَّةِ وَلَعَلَّهُ بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى حُجَّةِ الدِّينِ الْبَلْخِيّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ فَعَلَى هَذَا تُؤَخَّرُ عَنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ.
(قَوْلُهُ: وَوَقْتُ الْخُطْبَةِ) أَيْ وَمُنِعَ عَنْ التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ حَرَامٌ وَقْتَهَا لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا قُلْتُ: لِصَاحِبِك انْصَتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» فَكَيْفَ بِالتَّنَفُّلِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[منحة الخالق]
عَلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ كَامِلٌ لِعَدَمِ نَقْصٍ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِكَامِلٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَنْ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَا بَأْسَ بِالْقَضَاءِ فِيهِمَا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ وَتَغَيُّرِهَا فِي الْعَصْرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَتَّى تَغْرُبَ؛ لِأَنَّ الْغُرُوبَ فِيهَا مُؤَوَّلٌ بِالتَّغَيُّرِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ: وَقَدْ أَفْصَحَ بِهِ فِي الْخَبَّازِيَّةِ حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ الْمُرَادُ حَتَّى تَتَغَيَّرَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَائِتَةَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ التَّغَيُّرِ إلَى الْغُرُوبِ. اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا بِحَمْلِ قَوْلِهِ إلَى غَايَةِ التَّغَيُّرِ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَيْ غَايَةٍ هِيَ التَّغَيُّرُ وَبِهِ يَصِحُّ كَلَامُهُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَنْدُوبِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ النَّوَافِلِ وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ: هَذَا لَا يُجَامِعُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ وُجُوبِ حَمْلِ اسْتِثْنَاءِ الْقَلِيلِ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِهِمَا أَيْ مِمَّا لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ النَّدْبُ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ لَا يَدْفَعُهُ مَمْنُوعٌ إذْ عَدَمُ ظُهُورِ الدَّلِيلِ لَا يُوجِبُ إبْطَالَ الْمَدْلُولِ عَلَى أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ظَاهِرٌ فِي النُّسَخِ لِاسْتِبْعَادِ بَقَائِهِ مَعَ عَدَمِ فِعْلِ الصَّحَابَةِ لَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمَغْرِبُ إنَّمَا هُوَ الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ. اهـ.
أَقُولُ: وَالْعِبَارَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَذَلِكَ وَهُوَ قَدْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا إلَى قَوْلِهِ الْأَفْضَلُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنْ كَانَ ضَمِيرُ لَعَلَّهُ رَاجِعًا لِتَقْدِيمِ الْجِنَازَةِ عَلَى السُّنَّةِ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا لِتَقْدِيمِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْمَغْرِبَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِنَازَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِي كَلَامِهِمْ فِي مِثْلِهِ إرَادَةُ الْوُجُوبِ تَأَمَّلْ اهـ.