فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ يُتِمَّ الْمَهْرَ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَنْ الْعَشَرَةِ حَقُّهَا وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَفْتَخِرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهَا فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَيَّرُ بِهِ فَحَاصِلُهُ: أَنَّ فِي الْمَهْرِ حُقُوقًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهُمَا حَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا. وَالثَّانِي حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالثَّالِثُ حَقُّ الْمَرْأَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهَا، ثُمَّ حَقُّ الشَّرْعِ، وَالْأَوْلِيَاءِ مُرَاعًى وَقْتَ الثُّبُوتِ فَقَطْ فَلَا حَقَّ لَهُمَا حَالَةَ الْبَقَاءِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَلَيْسَ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّكْمِيلِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُمْ لَيْسَ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُكْمِلَ فَإِذَا امْتَنَعَ هُنَا عَنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ لَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ تَفْرِيقِ الْوَلِيِّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْوَلِيِّ هُنَا الْعَصَبَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَاءَةِ فَخَرَجَ الْقَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَخَرَجَ الْقَاضِي فَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجْرِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَيْسَ لِلْقَاضِي الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْمَالِ لَا فِي النَّفْسِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ) يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ الصَّاحِي وَلَدَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً أَوْ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَهُ وَزَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ زِيَادَةً فَاحِشَةً أَوْ زَوَّجَهَا وَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا نُقْصَانًا فَاحِشًا فَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَهُ: أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى الْمَهْرِ وَالْكَفَاءَةِ قَيَّدَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ فِي الْمَهْرِ مَعْفُوٌّ اتِّفَاقًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالصُّلْحِ فِي دَعْوَى الْمَالِ لَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَالُ
وَقَدْ حَصَلَ النُّقْصَانُ فِيهِ بِلَا جَابِرٍ فَلَمْ يَجُزْ وَفِي النِّكَاحِ وُجِدَ الْجَابِرُ وَهُوَ مَا قُلْنَا مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَأَطْلَقَ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مَجَانَةً وَفِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْقَابِلَةَ لِلتَّخَلُّقِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ فَهُوَ ظَاهِرُ سُوءِ اخْتِيَارِهِ وَلِأَنَّ تَرْكَ النَّظَرِ هُنَا مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ ظُهُورُ إرَادَةِ مَصْلَحَةٍ تُفَوِّتُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ الصَّاحِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ زَادَ عَلَى هَذَا الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا سَيَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي جَانِبِهَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْخَبَّازِيَّةِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَلَعَلَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْكَفَاءَةَ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ جَانِبِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ رِقِّيَّةَ الزَّوْجَةِ تَسْتَتْبِعُ رِقِّيَّةَ أَوْلَادِهَا اهـ.
وَهَذَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَصْوِيرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةً إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُهَا فِي جَانِبِهَا عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا عَلَى مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ فِي الْمَهْرِ مَعْفُوٌّ) الْغَبْنُ الْيَسِيرُ هُوَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ أَيْ مَا يَغْبِنُ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَنْ يَتَحَمَّلُوهُ وَلَا يَعُدُّهُ كُلُّ أَحَدٍ غَبْنًا بِخِلَافِ الْفَاحِشِ وَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَاَلَّذِي يَتَغَابَنُ فِيهِ فِي النِّكَاحِ مَا دُونَ نِصْفِ الْمَهْرِ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ، وَقِيلَ مَا دُونَ الْعَشْرِ اهـ.
فَعَلَى الثَّانِي نُقْصَانُ تِسْعَةٍ مِنْ الْمِائَةِ يَسِيرٌ وَنُقْصَانُ عَشَرَةٍ مِنْهَا فَاحِشٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ نُقْصَانُ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْمِائَةِ يَسِيرٌ وَنُقْصَانُ خَمْسِينَ فَاحِشٌ وَالْأَقْرَبُ الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) قَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ قَيَّدَ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَسْلُبُ الْأَهْلِيَّةَ عِنْدَنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ اهـ. كَذَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ.
قُلْتُ: وَلَا يُخَالِفُ مَا هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ مَعَ شَرْطِهِ وَهُوَ تَزْوِيجُهُ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا هُنَا فِي نَفْيِ الْجَوَازِ عِنْدَ فَقْدِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ فَزَوَّجَ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ يَصِحُّ إذْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُنَافِي الشَّفَقَةَ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مَجَانَةً وَفِسْقًا) فِي الْمُغْرِبِ الْمَاجِنُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا يَصْنَعُ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَمَصْدَرُهُ الْمُجُونُ وَالْمَجَانَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ طَلَبَ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ حَتَّى لَوْ عُرِفَ مِنْ الْأَبِ سُوءُ الِاخْتِيَارِ لِسَفَهِهِ أَوْ لِطَمَعِهِ